استكتب نسخة من الحكم لابن عطاء الله، وبالغ في تحسينها، وجدولها باللازورد والذهب فكتب له عليها الأخ:
أكرم بها نسخة بالسعد طالعها ... يا فوز من قد غدا يوماً يطالعها
إن المنازل قد حلت مطالعها ... يا حسنها نسخة تزكو مطالعها
لها لما قد حوت من رائق الكلم
نديمة لم تزل حيث النديم سكت ... وكم حوت حكماً بين الورى ونكت
عبد اللطيف حوت لطفاً به فزكت ... صحت وقد لطفت أجزائها فحكت
لطف النسيم وحاشاها من السقم
وكان الأمير عبد اللطيف جواداً سخياً له تواضع، وتودد، وحشمة، ومروءة. حدثني من أثق به أنه لما كان بطرابلس، كان ممن يعاشره الشيخ محمد بن عبد الحق الشافعي، أحد فضلاء طرابلس، وكان رجلاً فقيراً متقللاً، فخرج إلى حاجته، وتحملها إلى السوق، فاشترى الأمير عبد اللطيف عبداً اسود صغيراً، وقال لابن عبد الحق، خذ هذا الفتى عندك يخدمك حتى تسافر إلى دمشق، فلما أراد الرجوع إلى دمشق كتب رقعة بأن الشيخ محمد بن عبد الحق أوصله ثمن العبد، وسافر الأمير عبد اللطيف إلى الروم، وأخذ أنظار أوقافهم عن عمه الأمير إبراهيم، ولم يتم له التصرف حتى مات عمه، فاشتغل بالنظر والتصرف دون شهر، ثم مرض وطالت مرضته حتى توفي ثاني عشر شوال سنة إحدى وتسعين بتقديم التاء المثناة وتسعمائة، ولما وقع في النزاع أخذ يقرأ سورة الإخلاص، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات وتولى النظارة بعده الأمير محمد بن منجك رحمه الله تعالى.
[عبد اللطيف ابن الباشا]
عبد اللطيف بن عبد الرزاق الأنطاكي الأصل الحلبي المولد، الحنفي المذهب، المعروف بأنطاكية بابن الباشا سبط الحاج محمد ابن الشيخ المحدث أقضى القضاة برهان الدين إبراهيم الرهاوي الشافعي. قرأ النحو، والكلام على الشيخ المعمر منلا جمال القصيري. الحنفي تلميذ الشهاب أحمد بن كلف الأنطاكي، والفقه علي محمد جلبي ابن رمضان خطيب الجامع الكبير بأنطاكية، ثم رحل إلى حلب، فأخذ عن ابن الحنبلي أصول الفقه، ثم عاد إلى بلده، وتزوج بابنه الشيخ محمد بن عبدو القصيري، وأخذ عنه الطريق، وصار يعظ الناس بأنطاكية، ويدرس بجامعها، وتأخرت وفاته عن شيخه الحنبلي رحمه الله تعالى.