للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالليل، فأجابه إن لم يكن ذلك، فقد ختمت ختمة كاملة من حفظي في هذه الليلة ويومها، ثم نزل بالكيزوانية، وعزم، وهو بها على أن يعمل مجالس وعظية بالجامع الكبير ففعل، وهرع الناس إليه، وشاع ذكره، وبعد صيته، وحضر مجالسه الرجال والنساء ذكر في بعض مجالسه أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره فاعترضه ابن مسلم وكان الظفر له عليه. ثم لما توفي الشيخ عبد الكريم إمام الحنفية بالجامع الكبير بحلب تحنف بعد أن كان شافعياً، وولي هذه الإمامة، وتأخرت وفاته عن ابن الحنبلي، فكانت ليلة عيد الأضحى سنة سبع وسبعين بتقديم السين فيهما وتسعمائة، وهي سنة ميلادي رحمه الله تعالى.

[عبد الرحمن بن الفرفور]

عبد الرحمن بن محمد بن أحمد أقضى القضاة زين الدين الحنفي ابن قاضي قضاتها شهاب الدين بن الفرفور. قرأ الفقه على الشيخ نجم الدين البهنسي، والشيخ عبد الوهاب الإمام، والنحو، والمعاني، والبيان على الشيخ أبي الفتح السبستري، وعلى الشيخ علاء الدين بن عماد الدين، وفي العروض على الشيخ شهاب الدين الغزي أخي، وتولى خطابة السليمانية أول ما عمرت، ثم أعرض عنها، وسافر إلى الروم، فولي قضاء حوران، ثم انفصل عنه، ولزم بيته لا يخرج إلا لصلاة الجمعة والجماعة ملازماً على الصلوات الخمس في الجامع الأموي، وربما خرج لتهنئة أقرانه، وفي الجنائز، وكان فيه كرم وسخاء وحشمة زائدة، ولطف في العشرة له تواضع وتودد غير أنه كان مغرماً بالتعمير في بيت أبيه، وربما غير ما يحسنه منه مراراً لأدنى شيء ينتقده بعض الداخلين إليه، أو يستحسنه بعض الواردين عليه، وكان له معرفة تامة بالتاريخ والأدب ومن شعره:

ناهزت خمسين ولم أتعظ ... وشاب فودي مؤذناً بالرحيل

ولم أقدم عملاً صالحاً ... فحسبنا الله، ونعم الوكيل

ومنه:

أترك الدنيا لناس زعموا ... إن فيها مرهم القلب الجريح

ذاك طن منهم بل غلط ... آه منها ما عليها مستريح

وأهدى سفينة لبعض أصحابه وكتب إليه:

سفينة وافتك يا سيدي ... مشحونة بالنظم والنثر

قد ملئت بالدر أرجاؤها ... من أجل ذا جاءت إلى البحر

<<  <  ج: ص:  >  >>