حسن بن عبد الله، أحد الموالي الرومية العالم العلامة، الأوحد الفهامة، اشتراه الوزير الأعظم رستم باشا، وعمره تسع سنين، فأعتقه وعلمه القرآن العظيم، واشتغل في العلم على فضلاء الروم، وبرع في فقه الحنفية، وولي المدارس السنية حتى صار مدرساً بإحدى الثمان. وتولى قضاء الشام سنة تسع وخمسين وتسعمائة ودخلها في ربيع الأول. وولي بعده برويز أفندي. ثم عاد إليها ثانيا، واستمر بها مدة، ثم أعطي قضاء مصر، فخرج من دمشق إليها في شعبان سنة ثلاث وستين وتسعمائة، ثم توجه إلى الحج في سنة إحدى وستين، وبعد توجهه لعشرين يوماً ورد أولاق بعزله عن قضاء الشام، وتوليته قضاء مكة المشرفة، فأرسل نائب الشام نجاباً معه الأمر بتوليته مكة، فلحقه بتبوك، فاستمر بمكة قاضيها مدة، ثم عزل عنها، وعاد إلى الإسلام بول، ثم أعيد إلى الشام قاضياً في سنة ثلاث وستين وتسعمائة عن برويز أفندي المتولي قضاء الشام بعده، ثم أعطي مصر، فخرج من دمشق إليها في شعبان سنة أربع وستين وتسعمائة، ثم ولي القسطنطينية، ثم قضاء العسكر، وكان أشقر اللحية، أزرق العينين، عليه وقار وهيبة، وله حرمة وافرة، هابه في قضائه النظار والناس حتى نائب الشام، وردع أهل الظلم، وهو الذي عمر مجلس الحكم بباب القاضي، وكان نواب الباب أولاً يجلسون بإيوان القاعة الشرقي، فبنى هذا المجلس خارج القاعة، وكان يعظم العلماء والفضلاء، وكان يميل إلى شيخ الإسلام الوالد ويعتقده، ويقبل يده، ويحبه محبة شديدة، ويزوره في خلوته بالجامع الأموي، ويتبرك به ويسأله الدعاء، ولما ولي الشام ثانياً، ودخل دمشق دخل عليه الوالد للسلام عليه، فمشى إلى ملاقاته حافياً إلى البحرة التي في القاعة، وعانقه وقبل يده وأجلسه عن يمينه، ثم دخل في أثره الشيخ علاء الدين بن عماد الدين للسلام على القاضي، فلم يجلس تحت الشيخ بل جلس تجاه الأفندي خلف الصندوق على طرف الإيوان، وكان الأفندي يفهم ما بينهما، فقال له: ما لك لا تجلس تحت مولانا شيخ الإسلام وهو أكبر منك سناً وأكثر منك علماً؟ فقال الشيخ: يا مولانا هؤلاء أولادنا منهم من عق، ومنهم من بر، ثم قام الشيخ علاء الدين، ولم يتكلم بشيء، فتعجب الحاضرون من سكوته لما يعلمون من جرأته، وعدوها كرامة للشيخ من حيث أسكت عنه الشيخ علاء الدين وأفحم، أو سكت لما يعلم من اعتقاد الأفندي في الشيخ، وكتب إلى الشيخ من مصر وهو قاض بها في صدر مطالعة، ولعله استعاره من ألحان السواجع:
يا برق هل ترثي لصب ساهر ... أو هل ترى لكسره من جابر
وهل لما قد ناله من راحم ... أو لم يكن فهل له من عاذر
أبيت لا أنيس لي إلا الذي ... يدور من شكواي في ضمائري