بشتك الدوادر وقدمه للأشرف قايتباي بعد طلبه له، فجعله خاصكياً، وقربه إليه، وعلمه القرآن والحساب، والرمي، وصار رئيساً محتشماً، ثم رقاه أستاذه حتى أعطاه تقدمة ألف على التجارة، واستمر على ذلك حتى ولي الدوادارية الكبرى في زمن ولده الناصر، ثم أنعم عليه بنيابة حلب، وأقام بها سنة، ثم نقله إلى نيابة الشام، وأقام بها سبعة أشهر. قال ابن طولون: وفي أيام ولايته بدمشق ذهبت في خدمة شيخنا المحدث الجمال ابن المبرد إليه، فقال له: عني هذا ولدك فقال: لا هذا طالب علم. فأنشد:
يا طالب العلم لا تركن إلى الكسل ... واعجل فقد خلق الإنسان من عجل
واستعمل الصبر في كسب العلوم وقل: أعوذ بالله من علم بلا عمل ثم قدم القاهرة في زمن الظاهر، فولاه الأمرة الكبرى، وزوجه بأخته، وصار العادل طومان بأي يرمي الفتنة بينه وبين الظاهر إلى أن تنافرا، وقدر جان بلاط على الظاهر، فخرج من قلعة مصر وتركها له، فصعد جان بلاط القلعة، وتسلطن في ضحوة يوم الاثنين ثاني القعدة سنة خمس وتسعمائة، ثم جرد قصروه نائب الشام، فأرسل إليه عسكراً مقدمهم الدوادار الكبير، وأمير سلاح العادل طومان باي، فاتفقا عليه، وعادا إلى القاهرة، فحصروا القلعة جمعة، وخامر عسكر جان بلاط عليه، ففروا عنه، فطلع إليه طومان باي في يوم الاثنين ثامن عشر جمادى الآخرة ثاني سنة ولايته، وهي سنة ست وتسعمائة، فأمسكه وأرسله إلى الإسكندرية، ثم قتله خنقاً، ودفن بها مدة شهر، ثم نقل إلى القاهرة ودفن بتربة أستاذه قايتباي الأشرف نحو ثلاث أيام، ثم رد إلى تربته التي أعدها لنفسه خارج باب النصر، فنقل إليها، ولم تتغير جثته رحمه الله تعالى.
٣٥٨ - جبريل الكردي: جبريل بن أحمد بن إسماعيل، الشيخ الإمام العلامة أمين الدين الكردي، ثم الحلبي الشافعي. أحد المدرسين بحلب والمعتبرين بها، كان له القدم الراسخة في الفقه والكتابة الحسنة المعربلة على رقاع الفتاوى أخذ الحديث عن السيد علاء الدين بن محمد بن عفيف الدين بن محمد ابن السيد بدر الدين الألجي، وأجاز له جميع ما يجوز له وعنه روايته، وأخذ الصحيحين عن الكمال ابن الناسخ بحق قراءته لهما عن الحافظ برهان الدين الحلبي، وقرأ صحيح مسلم على قاضي القضاة نظام الدين بن التادفي الحنبلي،