للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عال على لسان أهل المعرفة حتى استشهد بكلامه سيدي الشيخ علوان الحموي في رسالة كتبها إلى صاحبه الزيني عمر بن الشماع محدث حلب، وضمنها موعظة أمره فيها بالخروج من عطن الكون المقيد إلى الوجود المطلق، وأنشد فيها قول بعض العارفين:

وكل قبيح إن نسيت لحسنه ... إليك معاني الحسن فيه تدافع

وقول الآخر:

ويقبح من سواك الفعل عندي ... فتفعله ويحسن منك ذاكا

ثم قال الشيخ علوان: ولقد بلغني عن الدشطوطي المصري - رحمه الله تعالى - أنه قال له شخص شاكياً من آخر: يا سيدي ذا وحش قوي، فأجابه الشيخ يا ذا حط من حسنك على وحاشته يبقى مليحاً، وذكر الشعراوي أنه أول ما اجتمع به في رمضان سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، وهو دون البلوغ أوصاه بوصايا، وقال له: أنا أعرف أن عقلك الآن ما يحمل هذا الكلام، ولكن هات الموأة والقلم واكتبها. قال: فأتيته بالدواة، فكتبها، وقال: احفظ هذه الوصية حتى تكبر وتعرف معناها وتمكلو لمن علمك إياها. أوصيك بعدم الإلتفات إلى غير الله عز وجل في شيء من أمورك في الدنيا والآخرة، فإن جميع الأمور لا تبرز إلا بأمره، فارجع في الأمور إلى من قدرها يقول الله عز وجل في بعض كتبه المنزلة: يا عبدي لو سقت إليك ذخائر الكونين، فنظرت إليها بقلبك طرفة عين فأنت مشغول عنا لا بنا وذكر أن البحر توقف يوماً، ثم هبط أيام الوفاء نحو ثلاثة أذرع، فجاء الناس إليه، فذهب إلى شاطي النيل، فخاض فيه، وقال اطلع بأذن الله تعالى، فطلع البحر، وأوفى ذلك الوقت، وكاد الناس أن يتقاتلوا عليه يتبركون به. قال: واتفق الناس أنه ما رؤي قط في معدية في البحر لا في الجيزة، ولا في ينبوبة إنما كانوا يرونه في هذا البر. وهذا البر، وحج مرة ماشياً حافياً طاوياً، فلما وصل إلى باب السلام بحرم مكة انطرح بخده على العتبة ثلاثة أيام حتى أفاق، ثم دخل للطواف والسعي، ولما زار النبي صلى الله عليه وسلم وضع خده على باب السلام بحرم المدينة مستغرقاً إلى أن رجع الحجاج، ولم يدخل المسجد. قال الشعراوي: وأخبرني الأمير يوسف بن أبي إصبع أن السلطان قايتباي لما سافر لنواحي بحر الفرات استأذن سيدي عبد القادر، فأذن له قال: فلما سافر مع السلطان كنا نجده ماشياً قدام السلطان في البرية، وبيننا وبينه نحو عشرة أذرع، فإذا نزلنا نسلم عليه اختفى. قال: فلما نزلنا حلب وجدنا زحمة على باب زاوية: فقلنا: ما هذا فقالوا سيدي عبد القادر الدشطوطي له هنا خمسة أشهر ضعيف في هذه الزاوية فقلنا نحن فارقناه في مصر من نحو خمسة وعشرين يوماً. قال: وكنا نراه أمامنا في الطريق، فدخلنا فوجدناه ضعيفاً كما قالوا: فتحيرنا في أمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>