للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكره، ثم عن حرفته ويوصيه بتقوى الله تعالى، ثم يوجه نفسه إلى القبلة، ويرفع يديه إلى وجهه ويقرأ له الفاتحة، ويدعو له ويصرفه، وإن رأى في ملبسه شيئاً منكراً ذكره. قال: ثم عقد للتسليك مجلساً في منزله، فتلمذ له خلق من المذاهب الأربعة كالشيخ عبد النبي من المالكية، والشمس ابن رمضان من الحنفية، والشهاب بن مفلح من الحنابلة، والزين الحموري من الشافعية، وآخر من تسلك على يديه منهم القاضي أبو عبد الله محمد بن عراق، وشاع ذكره وبعد صيته، وصار كلامه مسموعاً عند الأمراء خصوصاً نائب الشام سيبائي، ولهم فيه اعتقاد زائد، ثم قال ابن طولون: اجتمعت به وسلمت عليه، ثم ترددت إلى مجلسه، فما رأت عيني أعظم شأناً منه لكنه كان يستنقص الناس، وقال أحياناً: ما رأيت في هذه المملكة أعلم من ابن حبيب الصفدي. قال: وكان ابن حبيب مشهوراً بمحبة ابن العربي، ويتبجح بها انتهى.

قلت: وما ذكره عن أنه كان يستنقص الناس هذا إنما كان من سيدي علي بن ميمون على سبيل التنهيض لمن يستنقصه، وينكر عليه لا على سبيل احتقار الناس واستصغارهم، وتأييد نفسه عليهم، ومن كرامات ابن ميمون - رضي الله تعالى عنه - أيضاً ما ذكره الشيخ علوان في شرح تائية ابن حبيب أن رجلاً من أعيان دمشق وفضلائها في العلم والتدريس. قال: فبلغني أنه تفرس فيه أنه لا يكون منه نتيجة، وكان ذلك بعد أن تجرد ذلك الرجل وارتكب أنواعاً من الرياضة والمجاهدات، وحكى سيدي محمد ابن سيدي علوان في تحفته. قال: أخبرني شفاهاً جمع ممن سكن قرية مجدل معوش التي هي قرية الشيخ، وقبره فيها أنه كان في جوارهم، وفي قريتهم كروم قد يبست أغصانها، وفسدت عروقها، وتعطلت بالكلية، فمذ حل الشيخ المذكور بتلك الأراضي عادت الأراضي المجدبة مخصبة، وعادت أشجار العنب المذكورة أيضاً إلى أحسن ما يكون، وأينعت ثمارها. قال: وهي مستمرة من ذلك الآن إلى هذا الزمان، ولم يعرف ذلك إلا من بركته، وذكر أيضاً أن بعض أهل العلم حكى له، وقد توجه لزيارة قبر سيدي علي بن ميمون - رضي الله تعالى عنه - في سنة سبع وثلاثين وتسعمئة فقال: إن من غريب كرامات من أنتم متوجهون لزيارته، ما شاهدته بعيني ذلك أن رجلاً من الأجناد أرسل كلباً قال: أو صقراً على غزال، فركضت الغزال حتى جاءت إلى الأرض التي هو مدفون فيها، فدخلتها واجتمعت في ظل الشيخ، فقيل للجندي: دعها فإنها قد فعلت فعل العائذ بقبر الشيخ، فلم يلتفت إلى مقالتهم، وجاء إليها وهي قائمة، فلم تبرح مكانها، حتى أمسكها الجندي بيده وذبحها وأكل من لحمها، فلما فرغ من أكله أخذه وجع في بطنه، واستمر حتى مات من ليلته، فلما غسل كان لحمه على المغتسل متقطعاً قطعاً حتى كأنه أكل شيئاً مسموماً قال: فعلمت أنا وغيري أن ذلك كله من بركة الشيخ انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>