السخاوي: في سنة أربع وخمسين وثمانمائة بحلب، واشتغل بالعلم في القاهرة إلى سنة ثمان وثمانين، ثم زار بيت المقدس، ورجع إلى حلب، وتميز بالذكاء، ولطف العشرة، وولي قضاء حلب في شهر رمضان سنة تسعين، وحج سنة تسعمائة، ثم رجع إلى حلب، وطلبه سلطان مصر الغوري من حلب، وولاه كتابة السر بالقاهرة عوضاً عن القاضي صلاح الدين بن الجيعان في أول ولايته سنة ست وتسعمائة، واستمر فيها إلى آخر الدولة الجركسية، وهو آخر من ولي كتابة السر، ثم حج في دولته ثانياً في سنة عشرين وتسعمائة، فقرأ عليه المسند جار الله بن فهد عشرين حديثاً عن عشرين شيخاً، وخرجها له في جزء سماه " تحقيق الرجا، لعلو المقر ابن أجا "، ثم عاد إلى القاهرة فشكا مدة، فركب إليه السلطان، وزاره لمحبته له وجلالته عنده، ثم سافر صحبة الغوري إلى حلب سنة اثنتين وعشرين، وأقام بها حتى قتل الغوري، فرجع القاهرة، فولاه السلطان طومان باي الأشرف كتابة السر بها، ثم لما دخل السلطان سليم إليها أكرمه، وعرض عليه وظيفته، فاستعفى منها، واعتذر بكبر سنه وضعف يديه، ثم سأل السلطان سليم في الإقامة بحلب، فأجابه وعاد معه إلى حلب، واستقر في منزله إلى أن توفي بها، وكان ذا هيبة وشكالة وشيبة نيرة، ظريفاً، كيساً يحب التواريخ، ويرغب في خلطة الأكابر، وأنشد ابن الحنبلي لوالده يمدح الذكور:
مدحي وحمدي فيك قد زادني ... فخراً وأوليت به جولدا
فدم مدى الدهر لنا سالماً ... لازلت ممدوحاً ومحمودا
ومن مدائح البارعة عائشة بنت الباعوني - رحمها الله تعالى - في المذكور حين قدمت عليه القاهرة قصيدتها الرائية التي أولها:
حنيني لسفح الصالحية والجسر ... أهاج الهوى بين الجوانح والصدر
ومنها:
ألا ليت شعري والأماني كثيرة ... أأبلغ ما أرجوه قبل انضا عمري