صحيح البخاري، وصدر مسلم على ولي الله الشيخ أبي عبد الله أحمد البكي المغربي، بحق روايته لذلك عن شيخ الإسلام، ابن حجر المصري، وفضل في بلاده، وبرع، وتميز، وولي قضاء عسكر تونس، في دولة سلطانها مولاي حسن بن محمد بن عثمان بن المنصور بن عبد العزيز الحفصي، ثم قدم من طريق البحر، إلى القسطنطينية، في دولة السلطان سليمان خان بن عثمان خان، فعظمه، وأكرم مثواه، ورتب له علوفة حسنة، وشاع فضله بين أكابرها، وأخذ عنه جماعة من أعيانها حتى صار قاضياً للعسكر إذ ذاك، ولم يزل بها معظماً مبجلاً، نشر الفوائد، وحرر الفرائد، وأملى بها أمالي على شرح الشاطبية للجعبري، إلى أثنائه، وكان مسكنه بها في عمارة الوزير محمود باشا، ثم استأذن من السلطان، في الرحلة إلى مصر واعتذر بعدم صبره على شتاء الروم، وشدة بردها فأذن له في الرحلة إليها، وأمر أن يستوفي ما عين له، من العلوفة من خزنتها، فتوجه إلى البلاد المصرية، من طريق البر في سنة أربع وأربعين وتسعمائة، فدخل حلب وانتدب للقراءة عليه، والأخذ عنه جماعة، من أهلها منهم ابن الحنبلي، وقرأ عليه في العضد دروساً، ثم توعك بها، وعوفي، ثم سافر من حلب في صحبته الشمس الطبلي ودخلا طرابلس، وأقام بها مدة وانتفع به، أهلها في النحو وغيره، ثم رحلا منها إلى دمشق فدخلاها يوم الثلاثاء رابع جمادى الأولى من السنة المذكورة، ونزل بجامع تنكز، ثم انتقل إلى بيت القاضي زين الدين معروف الصهيوني الشافعي، داخل دمشق فاجتمع به أفاضلها، وشهدوا له بالعلم، والتحقيق خصوصاً في التفسر، والعربية، والمنطق، والكلام، والعروض، والقراءات، والمعاني، والبيان وقالوا: لو يرد إلى دمشق من مستحضر كلام السعد التفتازاني، والسيد الشريف، ويقرره، وما يرد عليه، وقرأ عليه الشيخ علاء الدين بن عماد الدين الشافعي، في أوائل تفسير القاضي البيضاوي، فأفاد وأجاد إلى الغاية، حتى أذهل العقول، وقرأ عليه القاضي معروف رسالة الوجود للسيد الشريف، وبعض شرح آداب البحث للمسعودي، وقرأ عليه الشيخ شهاب الدين الطيبي في القراءات، وأجازه إجازة حافلة، ثم سافر من دمشق في يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة من السنة المذكوره، وودعه جماعة من الطلبة إلى داريا وألف تلميذه الشيخ شهاب الدين الطيبي مؤلفاً في تاريخ سفره، بالكسور العددية، وسماه السكر المرشوش في تاريخ سفر الشيخ مغوش، وقال ابن الحنبلي في ترجمته، كان عالماً علامة متفننا مفننا، ذا ادراك عجيب، واستحضار غريب، حتى أنه كان في قوته أن يقريء مثل العضد المرة بعد المرة، من غير مطالعة، قال ولده محمد: وكان من عادته الاستلقاء على القفا، ولو حالة التدريس، وعدم النهوض لمن ورد عليه، من الأكابر إلا لبعض الأفراد، وقليل ما هم كل ذلك لما كان عنده من حب الرفاهية، والراحة، والانبساط، والشهامة، انتهى.