الوالد: ما سمعته يشهد لأحد من طلبته بالفضل مثل شهادته لهما، ثم أن الشيخ المذكور سلك مسلك التصوف، واتصل بالشيخ العارف بالله تعالى محيي الدين بن الأسكليبي، ونال عنده في التصوف غاية متمناه، وحصل له شأن عظيم، وجلس للإرشاد في زاوية شيخه الشيخ مصلح الدين السيروزي، وربى كثيراً من المريدين، قال: وبالجملة كان جامعاً بين الفضيلتين العلم والعمل، وكان فضله وذكاؤه في الغاية لا سيما في العلوم العقلية، وأقسام العلوم الحكمية، وكان له معرفة تامة بالعربية، وآية كبرى في معارف الصوفية، وقد ظهرت له كرامات علية انتهى.
قلت: ولما حج دخل بلاد الشام ونزل بدمشق في رجوعه من الحج اجتمع بشيخ الإسلام الجد وأخذ عنه، وذكره الجد رضي الله عنه فيمن تلمذ له من أولياء الله تعالى واجتمع به شيخ الإسلام الوالد في رحلته إلى الروم وذكره في المطالع البدرية وقال فيه، هو صدر من صدور أئمة الدين، وكبير من كبراء الأولياء المهتدين، وقدوة في أفراد العلماء الزاهدين، حامل لواء المعارف، ومحور التالد منها والطارف، محافظ على الكتاب والسنة، قائم بأداء الفرض ثم السنة، حامل لأعباء صلاح الأمة، باسط للضعفاء وذوي الحاجات، جناح الرأفة والرحمة، ذو أذكار وأوراد يعمر بها مجالسه، وأحوال وأسرار يغمر بها مجالسه، وجد في العبادة، وجهد في الزهادة، ومواظبة هيام، وملازمة قيام.
يقضي بنفع الناس سائر يومه ... وتجفوه في جنح الظلام مضاجع
فينفك عنه يومه وهو ذاكر ... وينفك عنه ليله وهو راكع
ثم ذكره في موضع آخر من المطالع البحرية فقال: وقد استفدت منه، واستفاد مني، وأخذت عنه، وأخذ عني، واستجزته لولدي أحمد، ولمن سيحدث لي من الأولاد، ويوجد على مذهب من يرى ذلك، ويسلك هذه المسالك، فمما أخذ عني مؤلفي المسمى، بالزبدة في شرح البردة، وتفسير آية الكرسي، وبحث وتحقيق أوضحته في معنى الكلام النفسي وقصيدتي القافية، التي هي ببعض مناقب شيخ الإسلام يعني والده وافية، وقصيدتي الخائية المعجمة، بحل طلاسم بعض الكنوز المعظمة، وإن كتابة خلاق عليم وحملها ينفع لدفع الطاعون، وأنه مجرب كما رواه لنا الأئمة الواعون، قال: وأنشدته لنفسي:
من رام أن يبلغ أقصى المنى ... في الحشر مع تقصيره في القرب
فليخص الحب لمولى الورى ... والمصطفى فالمرء مع من أحب
قال: ومما أفادني أياه نقلاً عن بعض العارفين أن الإنسان إذا قال: " ربنا " خمس مرات ودعا استجيب له، واحتج بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام " ربنا إني أسكنت من