الشيخ لا يسهر إلا ليالي الوتر فقط، فقلت له في ذلك فانشرح صدره لسهر العشر كله، وقال: إن ليلة القدر واحدة لا تتعدد وربما يكون مطلع الهلال مختلفاً، وربما جاءت في الإشفاع بالنظر لمطلع بلادنا، فهذا كان سبب سهر العشر كاملاً في الأزهر. انتهى كلام الشعراوي.
قلت: ثم إن الشيخ عبد القادر بن سوار العاتكي - رحمه الله تعالى - كان يتردد إلى مصر في التجارة والطلب، فحضر مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالأزهر، والشيخ شهاب الدين البلقيني شيخ المجلس يومئذ بعد الشيخ نور الدين الشوني، فوقع في قلبه محبة المجلس، وأعجبته هذه الطريقة، فلازم الشيخ، ثم رجع إلى دمشق، فكان ربما عمل هذه الطريقة في جامع البزوري بمحلة قبر عاتكة خارج دمشق نهاراً، ويقعد هو وجماعة قليلة بعد العصر، وكان الأخ الشيخ الإمام شهاب الدين الغزي كثيراً ما يتحرى الخير ويقصده، وكان يطوف في أرجاء دمشق وضواحيها يتحرى المساجد المهجورة والمعمورة للصلاة فيها والذكر، فدخل يوماً جامع البزوري، فوجد الشيخ عبد القادر المشار إليه في جماعة يعملون هذه الطريقة، وكان يعرفها حين دخل القاهرة مع والده في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، فقعد معهم، وساعدهم، ثم دعا لهم، وأثنى عليهم، ثم تردد إليهم مراراً، ثم أشار على الشيخ عبد القادر أن يعمل المجلس ليلة الجمعة على طريقة الشوني والبلقيني، ففعل، ثم أشار عليه أن يعمله في الجامع الأموي بعد أن استأذن شيخ الإسلام الوالد في ذلك، فأذن له فيه، واستحسنه، كان إذا ما عمل مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبرني الشيخ عبد القادر من لفظه مراراً في سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، وسمي إذ ذاك بالمحيا، واستقر الأمر آخراً على عمل المحيا ليلتين في الجمعة ليلة الجمعة في البزوري، وليلة الاثنين بالأموي إلى الآن، وحضر المجلس المشار إليه شيخ الإسلام الوالد مراراً، وقال للشيخ عبد القادر: لو زدتم في المحيا قراءة الإنشراح لتعلقها بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم كتعلق سورة الكوثر به. قال لي الشيخ عبد القادر فقلت لمولانا الشيخ: يا سيدي نفعل إذا امددتمونا قال: فقال لي الشيخ: افعلوا ذلك يا شيخ عبد القادر. قال: فقلت له: يا سيدى كم نقرأها مرة. قال فسكت الشيخ ساعة ثم قال: إحدى عشرة مرة عدد ضمائر الخطاب التي اشتملت عليها السورة فكان هذا أصل قراءة الإنشراح في المجلس، وكان شيخ الإسلام أخي الشهاب الغزي - رحمه الله تعالى - يلازم المحيا ليلاً، ويقرر كتاب الإحياء نهاراً كلاهما. فقال - رحمه الله تعالى - في ذلك:
أمانة نفسي في مطالعة الأحيا ... واحياء روحي في مشاهدة المحيا
فيا رب هذا دأب عبدك دائماً ... وذلك قدماً دام في هذه الدنيا
توفي بهذا الإلتزام، حتى ألحقه بدار السلام، وكانت وفاة الشيخ نور الدين الشوني