ميلادي، وانفصل في ختام السنة عن قضاء دمشق، وأعطي قضاء مصر، ثم صار قاضياً بالعساكر، وفي آخر أمره صار مفتياً بالتخت السلطاني، وكانت سيرته في قضائه في غاية الحسن بحيث يضرب بها المثل، وكان عالماً فاضلاً، بارعاً، ديناً خيراً عفيفاً، كان رسم الحجة في دمشق قبل ولايته أربع عشرة قطعة، فجعله عشراً، وكان رسم الصورة ثماني قطع فجعله ستاً، ودام على ذلك، وأخذ بعض نوابه في بعض الوقائع ما زاد على ذلك، فرده على مالكه، وقرأ على شيخ الإسلام الوالد في أوائل الكتب الستة، وغير ذلك، وحضر بعض دروسه في التفسير والفقه، واستجازه فأجازه، وكان يفتخر بقراءته على الشيخ وأجازته. وكتب الشيخ له إجازة بخطه حافلة في يوم الاثنين رابع شعبان المكرم عام ثمانية وسبعين وتسعمائة، وأثنى عليه الشيخ في هذه الإجازة كثيراً، وقال فيها: وقد اجتمع بي في الشام حين وليه قاضياً، وكان بحمد الله في قيام الحق، ونصرة الدين سيفا ماضياً، وصار كل من أهل الصلاح به راضيا.
وهو والله عفيف نزه ... وله عرض مصون ما اتهم
وخبير بمداراة الورى ... ومداراة الورى أمر مهم
وكتب إليه شيخ الإسلام، وهو قاضي في دمشق في قضية من أبيات:
يا مفرد العصر في علم ومعرفة ... وعفة ما عهدناها لمن سلفا
ورفعة لمقام العلم مغترقا ... من نهلة ولأهل العلم معترفا
قد عز مقداره أيام دولتكم ... وزداد مع شرف فيه لكم شرفا
وكان - رحمه الله تعالى - حليماً إلى الغاية إلا في أمر الدين، ومصالح المسلمين، فإنه كان صلباً يغضب لله تعالى منع نائبه الجالس ببابه أن يسمع دعاوي حكام السياسة، بل كان هو يسمعها بنفسه، ويبالغ في ردعهم، ويتوعدهم، وربما ضرب بعضهم بحيث قل الظلم في زمانه، وانكف الظلمة عن أمور كثيرة، وكان إذا شفع عنده أحد من الأكابر أظهر له قبول الشفاعة فإن خالفت الحق، والأنصاف تناساها، وأعرض عن ذكرها ولم يقبل من أحد هدية في مدة قضائه. ولما انفصل عن دمشق أمر منادياً ينادي يوم الجمعة بالجامع الأموي أن قاضي القضاة عزل عن دمشق، فمن أعطاه شيئاً، أو أخذ منه، أحد من جماعته شيئاً، أو تعدى عليه أحد من جماعته، فليرفع قصته إليه حتى يرد إليه ما انتزع منه، فرفعت الناس أصواتهم بالبكاء، والدعاء، وأظهروا التأسف عليه لعزله، وتمنوا لو دامت ولايته عليهم ولما ولي قضاء العساكر الأناطولية بعد محمد أفندي ابن معلول، وكان قد حصل لابن معلول صرع في الديوان بعد أن ولي قضاء العساكر الأناطولية سبعة أيام، فأخرج تدريس التقوية عن شيخ الإسلام الوالد للشيخ