وانتقد على الأيجي ذلك، وعوض الله تعالى على شيخ الإسلام الوالد بأحسن منها، وكان الشيخ محمد الأيجي ملازماً على الأوراد، والعبادات أماراً بالمعروف نهاء عن المنكر، وكان يتردد إلى الحكام، وغيرهم لقضاء حوائج الناس، والشفاعة فيمن يحتاج إليها عندهم، وسافر إلى الروم في قصة هي أن يهودياً سب الجناب الرفيع صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى باب السلطان سليمان - رحمه الله تعالى - وذكر ثمة أنه هاجر من دياره إلى ديار العرب فراراً من سب الصحابة، فكيف؟ يقع في بلاد أهل السنة، والجماعة بسب جنابه صلى الله عليه وسلم من يهودي، فأحضر اليهودي، فأسلم اضطراراً قال
فقلت لأركان الدولة إن إسلامه غير صحيح فقالوا ما لنا إلا الظاهر، والأثر كذلك، فما مضى زمان إلا، ومضى اليهودي إلى بلاد النصارى، وأظهر يهوديته، ثم سافر مرة أخرى في سنة أربع وستين إلى الروم بسبب فتنة أبي اليسر البغدادي الذي كان قاطناً بصالحية دمشق، وكان قد شهد عليه أهل محلته، بأنه مأوى اللصوص، وأخذ خط الأيجي بالحيلة بأنه كذلك فذهب أبو اليسر خفية إلى بلاد الروم، فبعث الباشا خلفه بما سجل عليه، ومعه خط الأيجي إلى الروم فلما شكى أبو اليسر بالديوان قصته، وذكر أنه مظلوم، وأنه من جماعة الأيجي فقيل له: أترضى ما يقوله الأيجي، فإذا هو قد قدح فيه باللصوصية، فصلب من ساعته وكان الباشا قد عرض في الأيجي بسبب ذلك، فلما بلغ الأيجي ذلك خرج من دمشق إلى بلد الروم، وعرض أمره هناك، وشهد فيه قاضيا دمشق سابقاً سنان جلبي، وعبد الكريم زاده، وأعطي تدريس الأسدية الجوانية بحلب، ثم عاد إلى دمشق، واستقر أمره بها ذكر ذلك ابن الحنبلي، وحط من مقام الأيجي كثيراً على عادته، وقد حدثني الشيخ محمد التليلي الحنبلي، فقيه التليل من البقاع، ونحن عند عين العابد في جبل لبنان، أن رجلاً من أعيان صفد قال: سافرت في شيبتي إلى دمشق في تجارة فقبضت مرة خمسين ديناراً ذهباً، ثم ذهبت إلى منزلي في آخر النهار، فعرض لي رجل كأنه رآني حين قبضت المال، فسلم علي سلام من يعرفني، ويعرف أبي، وعشيرتي، وادعى قدم المودة بين أبي وبينه، وحلف علي أن أذهب معه، وأكون في ضيافته تلك الليلة قال فما وسعني إلا أني ذهبت معه، فخرج بي من ناحية العمارة، فما شعرت إلا وأنا معه في مقبرة هناك يعني مقبرة الفراديس، فنظرت يميناً وشمالاً، فما رأيت هناك أحداً، ونظرت إلى الشمس فإذا هي قد غربت قال: فما وسعني أن أظهر له أني تريبت منه، وسألته عن بيته فقال: ههنا قريب قال: فمشينا حتى تجاوزنا المقبرة، والطواحين بالقرب منها، فرأيت نفسي بين البساتين، وقد دخل الليل، ولم يمكنني الفرار لأني لم أعرف كيف أذهب؟ قال: فما مشينا غير ساعة، فلقينا جماعة من اللصوص فأهلوني، ورحبوا بي، وتكلم هو معهم بكلام ما فهمته غير أني تريبت منهم، وسقط في يدي، وأيقنت بأني مقتول قال: فجعلت أتلطف بهم، وهم يقولون لي لا تخف تكون معنا الليلة على أكل