للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الأخ رضي الله تعالى عنه أبر ولد بوالده، وأشبه بأبيه في طريف الفضل وتالده، وكان يحترم والده بحق بنوته النسبية والعلمية، وكان يقبل أخمصيه، كلما دخل عليه، وكان كلما حضر مجلس ذكر أو علم أو خبر، وتوقع فيه الإجابة قرأ الفاتحة، ثم قال للحاضرين: قولوا آمين، فإذا قالوا: آمين قال: اللهم إجعل يومي قبل يوم أبي حدثنا بذلك جماعة منهم شيخنا الشيخ يحيى العمادي، ودخل على والده يوم الجمعة مستهل ذي الحجة الحرام سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وكان متمرضاً، فأمر أن يفترش له فراش تجاه والده، وقال: أتودع منه، ولازم والده ذلك اليوم بطوله، وصلى معه في خلوته بالجامع الأموي الجمعة، ثم عاد إلى مجلسه والفتاوى ترد على شيخ الإسلام الوالد، فيقول كلما جاء رقعة: اكتب يا شهاب الدين فيكتب، ثم يأخذ الرقعة ويتأمل كتابته، ويدعو له حتى كتب له على بضع وعشرين رقعة، ثم أراد مفارقة أبيه آخر النهار، وقال له: يا سيدي أخرج لي رجليك، فقبلهما على عادته، وتبرك بهما، وبكى، وطلب الرضى من أبيه، وشيخ الإسلام يبكي، ويدعو له بالرضوان وغيره، ثم خرج من عنده إلى بيته، فقعد معظم ليلة يقرأ في صحيح بخاري وغيره على من عنده من الأهل، ثم أغفا إغفاءة، وقام على عادته قبل الأذان، فخرج إلى الحمام، وكان يحب دخول الحمام لأجل الطهارة، فإنه كان عنده تحرّز ووسوسة الظاهر، فلما دخل الحمام المعروف بحمام السلسلة بالقرب من داره حلّق له الحلاق رأسه، ثم نزل إلى المغطس، فأغمي عليه، فأخرج إلى مصاطب الحمام، فإذا هو قد مات، فأعلم أهله، فجاؤوا به وحملوه ميتاً إلى دار أبيه وأبوه رحمه الله تعالى في الخلوة لم يدر، ثم دخل عليه بعض أصدقائه، فأفهمه موته الإشارة، ثم أمر والده بتجهيزه، فجهز وصلى عليه إماماً بالجامع الأموي، وحملت جنازته على الرؤوس، ولم تحفل بدمشق جنازة فيما عهده أهل عصره أعظم مما حفلت جنازته إلا جنازة أبيه من بعده. ودفن بمقبرة الشيخ رسلان بالقرب من ضريح جده شيخ الإسلام رضي الدين، ثم دفن والده بعده في السنة الثانية للسنة المذكورة رجلاه عند رأس ولده المذكور كأنه يقفو أثره إلا أنه اتفق أن قبر الشيخ شهاب الدين كان متأخراً عن محاذاة قبر أبيه حتى كأنه أمامه، وكان ذلك موافقاً لحالة المرحومين في دار الدنيا، ثم اتفق دفن ولدنا الفاضل الصالح بدر الدين قدام عمه المذكور رأسه عند رجلي جده، وفي محاذاته بوصية منه في الوقت الذي ذهبت لحفر قبره فيه بعد أن استخرت الله تعالى له في الحفر، فاتفق في وضع المذكور، وعدت فرأيته قد أوصى جدته، ومن عنده أن يحفر له في بقعة خالية عند رجلي جده.

وكانت وفاة الولد المذكور في شعبان سنة سبع عشرة بعد الألف، ووراء قبر الشيخ

<<  <  ج: ص:  >  >>