وأخرجهم من السجن، وأمر أن لا يحبس أحد بتلك الأيام، فلما رأى الناس ذلك منه كفوا عن المخاطبة، وأحبه أهل دمشق، وعمر الجامع خارج باب الجابية لصيق المغيربية بين السيبائية، وبين دار السعادة، وعمر الحمام داخل المدينة بالقرب من الجامع الأموي من جهة باب البريد، وعمر القاسارية، والسوق بالقرب منه سوق الجوخ والقهوة، ووقف ذلك فيما وقفه على جامعه، وشرط تدريسه للشيخ إسماعيل النابلسي، وكان خصيصاً به، وكان له اعتقاد في شيخ الإسلام الوالد، وكان يتردد إليه في خلوته غربي الجامع الأموي يقبل يديه، وبلغ الوالد أن جماعته يخرجون لطلب التراب والأحجار من الصحراء، فيسخرون دواب أهل القرى لذلك. فأرسل إليه رقعة ينهاه فيها عن ذلك، فمنع جماعته من ذلك، وتبرأ من صنيعهم، وعمر الجسر على نهر بردا عند عين القصارين من أخشاب، وجعل له مرافس، وكان عمره قبله مصطفى باشا بالأحجار، فلما جاءت الزيادة وخرب، فأراد درويش باشا أن يعمره بالأحجار والمون، فقيل له: إنه عمر على هذه الصورة مراراً، ويخرب، فعمره من خشب، وجعل له تلك المرافس، ويعرف هذا الجسر قديماً بجسر طوغان، ومما وقع له أن رجلين اختصما إليه في لقطة ادعى مدعيها أنها كانت خمسمائة، فقال لملتقطها: ما تقول؟ فقال: أنا والله لم ألق إلا هذه الصرة، فإذا هي دون ذلك. فقال درويش باشا للمدعي: هذه ليست لك هذه تبقى لصاحبها حتى يطلبها، وأنت فالتمس ضالتك. وأنشأ بدمشق السبيل جوار مدفن الشيخ خليل بالقرب من دار السعادة، وأجرى إليه الماء بدولاب من نهر بانياس، وأنشأ سبيلاً آخر في حائط جامعه. وقال ما فيه في تاريخ السبيل الأول:
هذا سبيل بل سلسبيل ... يشفي غليلاً يشفي عليلا
وزمزم الماء فيه يجري ... لدى مقام حوى خليلا
أجزاه أجراً فأرجوه ... درويش باشا بنى سبيلا
وقال في الثاني:
أحيي دمشق وأهلها بسبيله ... درويش باشا دام فعل جميله
قبل الكريم ثوابه لما أتى ... تاريخه لله خير سبيله
وفي سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة عزل عن دمشق بجعفر باشا، ثم تولى نيابة مرعش مدة، ثم قرامان، ثم ديار بكر، فمات بها سنة خمس وثمانين، فصبر وحمل تابوته بعد مدة إلى دمشق فدخلوا به في تاسع رمضان سنة ست وثمانين وتسعمائة كذا قيل، والذي تحرر أنه