ما تلاحق بهذه الحال من وفاة أبيه السلطان أبي يوسف بالجزيرة الخضراء، وتصيّر الأمر إلى ولده السلطان أمير المسلمين أبي يعقوب يوسف. وتجدّدت الألفة وتأكّدت المودّة، وارتفعت الإحنة، فكان ما هو معروف من التقائهما على تعبئة إجازة ملك المغرب أبي يعقوب البحر على ظاهر مربلّة «١» ، وصرف الأمير أبو زيان محبوّا بما يليق به.
حدّثني شيخنا أبو زكريا بن هذيل، رحمه الله، قال: نصب للسلطان أبي يعقوب خباء احتفل في اتخاذه له أمير سبتة، فبلغ الغاية التي تستطيعها الملوك، سموّ عماد، وامتداد ظلّ، وانفساح ساحة، إلى إحكام الصّنعة، والإعياء في الزّخرف. وقعد فيه السلطان ملك المغرب، وأجلس السلطان أمير المسلمين أبا عبد الله بن الغالب بالله، عن يمينه، وأخاه الأمير أبا زيّان عن يساره، وقرأ عشاره المعروف بالوقّاد، آية الله في حسن الصّوت، وبعد مدى السّمع، وطيب النّغمة، قوله عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)
«٢» . فكان مقاما مبهتا. كان السلطان، رحمه الله، يقول: لشدّ ما جنى عليّ عدوّ الله بقحته، والله لقد كان يشير بيده إلى السلطان وأخيه عند قوله: أنا يوسف وهذا أخي. ثم أجاز للعدوة، فطاح بها لعهد غير بعيد.
وكان الإيقاع بجيش الأمير أبي زيّان في أخريات ذي الحجة عام أربعة وثمانين وستمائة، فاتصل بذلك موت والد أمير المسلمين أبي يوسف بالخضراء في شهر محرم عام خمسة وثمانين بعده، وكان لقاء السّلطانين بالخضراء في شهر محرم عام خمسة وثمانين هذه، وكان اللّقاء، كما ذكر، في شهر ربيع الآخر من العام المذكور.