عجائب الماء والتراب، فألقى من ثنائكم الذي أوجبته السيادة والأبوّة، ما يقصر عن طيب الألوّة، وتخجل عند مشاهدته الغرر المجلوّة، وليست بأولي برّ أسديتم، ومكرمة أعدتم وأبديتم، والحسنات وإن كانت فهي إليكم منسوبة، وفي أياديكم محسوبة، وبلوت من الرجل طلعة نتفة، لم يغادر من صفات النبل صفة، حاضر بمسائل من الغريب، وقعد مقعد الذكي الأريب. وعرض عليّ حاجته وغرضه، وطلب مني المشاركة، وهي مني لأمثاله مفترضة، ووعدني بإيقافي على قصيدة حبّرها، وأنسى بالخبر خبرها، وباكرني بها اليوم مباكرة الساقي بدهاقه، وعرضها عليّ عرض التاجر نفائس أعلاقه، وطلب مني أن أهذّب له ما أمكن من معانيها وألفاظها، وأجلو القذى عن ألحاظها، فنظرت منها إلى روض كثرت أثغابه، وجيش من الكلام زاحم خواصّه أو شابه، ورمت الإصلاح ما استطعت، فعجزت عن ذلك وانقطعت، ورأيت لا جدوى إلى ذلك الغرض، ما لم تبدّل الأرض غير الأرض. وهذا الفنّ، أبقى الله سيدي، ما لم يمتّ إلى الإجادة بسبب وثيق، وينتمي في الإحسان إلى مجد عريق، وكان رفضه أحسن وأحمد، واطّراحه بالفائدة أعود، وإذا اعتبره من عدل وقسط، وجده طريقين لا يقبل الوسط، فمنهما مالّ يقتنى ويدّخر، وسافل يهزأ به ويسخّر، والوسط ثقيل لا يتلبّس به نبيل. قيل لبعضهم: ألا تقول الشعر؟ فقال: أريد منه ما لا يتأتّى لي، ويتأتّى لي منه ما لا أريده. وقال بعضهم: فلان كمغنّ وسط لا يجيد فيطرب، ولا يسيء فيسلّي. فاقتضى نظركم الذي لا يفارق السّداد والتوفيق، وإرشادكم الذي رافقه الهدى ونعم الرفيق، أن يشير عليه بالاستغناء عن رفعها، والامتساك عن دفعها، فهو أقوى لأمته «١» ، وأبقى على سكنته وسمته، وأستر لما لديه، قبل أن يمدّ أبو حنيفة رجليه، وإن أصمّت عن هذا العذل مسامعه، وهفت به إلى النجاح مطامعه، فليعتمد على الاختصار، فذو الإكثار جمّ العثار، وليعدل إلى الجادة عن ثنيات الطّرق، ويجتزئ عن القلادة بما أحاط بالعنق، فإذا رتّبها وهذّبها، وأوردها من موارد العبارة أعذبها، تولّيت زفافها وإهداءها، وأمطت بين يدي الكفوء الكريم رداءها، والسلام» .