جدّ الملوك من بني مرين، يكنى أبا زكريا، شيخ الغزاة، ورئيس جميع القبائل بالأندلس.
أوليته: قد تقدمت الإشارة إلى أوّلية هذا البيت، ونحن نلمع بسبب انتباذهم عن قومهم، وهو ما كان من قتل أخي جدّهم، يعقوب بن عبد الله بن عبد الحق، ابن أخي السلطان أبي يوسف، إذ كان ثائرا مصعبا، مظنّة للملك، ومحلّا للآمال، فنافسه وليّ العهد وأوقع به، فوقع بينهم الشّتات، وفرّ شيوخ هذا البيت وأتباعهم إلى تلمسان، ثم اجتازوا إلى الأندلس، منهم من آثر الجهاد، أو نبا به ذلك الوطن، أو شرّده الخوف، أو أحطب به الاستدعاء. فمنهم موسى وعمران والعباس، أبناء رحّو بن عبد الله، وعثمان بن إدريس، وغيرهم، فبدت فيهم الشياخة، وصحبهم التّقديم، وأقامت فيهم الخطّة، وتردّدت بينهم الولاية.
حاله: هذا الشيخ مستحقّ الرّتبة، أهل لهذه الرئاسة، بأسا ونجدة، وعتقا وأصالة، ودهاء ومعرفة، طرف في الإدراك، عامل على الحظوة، مستديم للنعم، طيّب بالخدمة، كثير المزاولة والحنكة، شديد التّيقظ، عظيم الملاحظة، مستغرق الفكرة في ترتيب الأمور الدنيوية، بحّاث عن الأخبار، ملتمس للعيون، حسن الجوار، مبذول النّصفة، بقية بيته بالعدوتين وشيخ رجاله. له الإمامة والتّبريز في معرفة لسانهم، وما يتعلّق به من شعر ومثل وحكمة وخبر، لو عرضت عليه رمم من عبر مهم لأثبتها، فضلا عن غير ذلك، نسّابة بطونهم وشعابهم، وعلّامة سيرهم، وعوائدهم، ألمعيّ، ذكي، حافظ للكثير من الحكم والتواريخ، محفوظ الشّيبة من العصمة، طاهر الصون والعفّة، مشهور الشّهامة والنّجدة، معتدل السّخاء، يضع الهناء مواضع النّصب فلا يخدع عن جدته، ولا يطمع في غفلته، ولا ينازع فيما استحقّه من مزيّته، خدم الملوك، وخبر السّير، فترك الأخبار لعلمه، وعضل عقله بتجربته.
تولّى رئاسة القبيل وسط صفر من عام سبعة وعشرين وسبعمائة، معوّضا به عن شيخ الغزاة عثمان بن أبي العلاء، فتنعّم البيت، وخدن الشّهرة، عندما أظلم ما بينه وبين ابن المحروق مدبّر الدولة، ودافعه بالجيش في ملقى حرانه، من أحواز حصن أندرش مرات، تناصف الحرب فيها، وربما ندر الفلج في بعضها، واستمرّت حاله إلى سابع محرم من عام تسعة وعشرين وسبعمائة، وأعيد عثمان بن أبي العلاء إلى رتبته على تفئة مهلك ابن المحروق، وانتقل هو إلى مكانه بوادي آش في قومه،