أفلم، واعتصم منهم ببرج، فقاتلوه واستنزلوه فقتلوه، فانقضى أمره على هذه الوتيرة، والبقاء لله سبحانه.
عامر بن عثمان بن إدريس بن عبد الحق «١»
شيخ الغزاة بالأندلس، وابن شيخها، يكنى أبا ثابت، أجري مجرى الأصليين لولادته بالأندلس.
أوليته: تأتي في اسم أبيه.
حاله: كان رئيسا جليلا، فذّا في الكفاية والإدراك، نسيج وحده في الدّهاء والنّكراء، مشارا إليه في سعة الصدر، ووفور العقل، وانفساح الذّرع، وبعد الغور، باسلا مقداما، صعب الشّكيمة على الهمّة، لين الكلمة، ريّش جناح العزّ، وافر أسباب الرّئاسة، مجرّبا، محتنكا، عارفا بلسان قومه وأغراضهم، جاهلا جفوات أخلاقهم دبر أذنه، مهيبا على دماثة وإلحاح سقام. تولّى الأمر بعد أبيه، فقام به أحمد قيام، مسلّما لبقية من مسني القرابة وأكابر الإخوة، اعترافا بالفضل، وإيثارا لمزيّة العتاقة على الهجنة، فحلّ أرفع المحال، وتبنّك على حال الضّنا نعيما، وغزا غزوات شهيرة، إلى أن تناسى الأمر، وكبا بهم الجدّ، وحملهم قرب مخيفهم بالثّأر المنيم ملك المغرب، لما اقتحم فرضة المجاز إلى الجهاد على المبايتة ومراسلة الطاغية، فساءت القالة، وفسد ما بينهم وبين سلطانهم، وأعمل عليهم التدبير.
نكبته: ثبتّ في الكتاب المسمى ب «طرفة العصر» : ولما اتّصلت ليدي المسلمين، وفصل أميرهم من ملك المغرب، تنمّر أضدادهم المناوءون له، المعاندون قدرة الله فيه، المتهيّئون إلى القاصمة بمشاحنته، فأظهروا النّفور والحذر، وكانوا قد داخلوا ملك قشتالة وواعدوه اللحاق به، إن راعهم رائع، ووصلتهم مخاطبته بقبولهم، فلمّا تخلّف المسلمون عن اللحاق به، نسب لهم الفشل والتكاسل، فانطلقت الألسن، وملّت القلوب، وتشوّف إلى الفتك بهم، وهم عصابة بأسها شديد، أشهروا فروسية ونجدة وأتباعا، فعظم الخطب، وأعملت الشّورى في أمرهم، وصرفت الحيل إلى كف عاديتهم، ومعالجة أمرهم، فتمّ ذلك. ولما كان يوم السبت التاسع والعشرون من ربيع الأول، قعد لهم السلطان على عادته، ووجّه عنهم في غرض الاستشارة في حال السّفر إلى إمداد ملك المغرب، وقد عبر ونازل جزيرة طريف، وفاوضهم فيما عليه الناس من إنكار التّلوّم، ثم قام السلطان من