بعض أخباره: قال: لقيت الشيخ وليّ الله أبا يعقوب بساحل بادس «١» ، قاصدا الأخذ عنه، والتّبرّك به، ولم يكن رآني قط، وألفيت بين يديه عند دخولي عليه، رجلا يقرأ عليه القرآن، فلمّا فرغ أراد أن يقرأ عليه أسطرا من الرّسالة، فقال له:
اقرأها على هذا الفقيه، وأشار إليّ، ورأيت في عرصة له أصول خصّ، فتمنيت الأكل منها، وكان ربّاعها غير حاضر، فقام عن سرعة، واقتلع منها أصولا ثلاثة، ودفعها إليّ، وقال: كل. فقلت في نفسي، تصرف في الخضرة قبل حضور ربّاعها، فقال لي: إذا أردت الأكل من هذه الخضرة، فكل من هذا القسم، فإنّه لي. قلت: وخبرت من اضطلاع هذا المترجم به بعبارة الرّؤيا ما قضيت منه العجب في غير ما شيء جرّبته. وهو الآن بحاله الموصوفة. وأصابه لهذا العهد جلاء عن وطنه؛ لتوفر الحمل عليه من الخاصّ والعامّ، بما طال به نكده. ثم آلت حاله إلى بعض صلاح، والله يتولّاه.
مولده: بمدينة فاس عام تسعين وستمائة.
محمد بن عبد المنعم الصّنهاجي الحميري «٢»
يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن عبد المنعم، من أهل سبتة، الأستاذ الحافظ.
حاله: من «العائد» : كان، رحمه الله، رجل صدق، طيّب اللهجة، سليم الصدر، تام الرّجولة، صالحا، عابدا، كثير القرب والأوراد في آخر حاله، صادق اللسان. قرأ كثيرا، وسنّه تنيف على سبع وعشرين، ففات أهل الدّؤب والسّابقة، وكان من صدور الحفّاظ، لم يستظهر أحد في زمانه من اللّغة ما استظهره، فكاد يستظهر كتاب التّاج للجوهري وغيره، آية تتلى، ومثلا يضرب، قائما على كتاب سيبويه، يسرده بلفظه. اختبره الفاسيون في ذلك غير ما مرة. طبقة في الشطرنج، يلعبها محجوبا، مشاركا في الأصول، آخذا في العلوم العقلية، مع الملازمة للسّنّة، يعرب أبدا كلامه ويزينه.
مشيخته: أخذ ببلده عن الأستاذ أبي إسحاق الغافقي، ولازم أبا القاسم بن الشّاط وانتفع به وبغيره من العلماء.