حاله ونسبه: هو عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن عمّار بن ياسر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان عينا من أعيان الأندلس، مشارا إليه في البيت والرأي، والجزالة والفضل. علقت به الآمال، ورفعت إليه الممادح، وحطّت لديه الرّحال. وكان من أولي الجلالة والنّباهة، والطّلب والكتابة الحسنة، والخطّ البارع.
واشتمل على حظوة الأمير يحيى بن غانية اللّمتوني، وكتب عنه. بلده قلعة بني سعيد، فثقفها، وجعل بها أكبر بنيه عبد الرحمن ضابطا لها وحارسا، فحصّنها أبو مروان ومهدها بالعمارة، فكانت في الفتنة مثابة وأمنا، وحرزا له ولبنيه، فانجلت الناس إليها من كل مكان. ولما قبض ابن غانية على القمط مرين وأصحابه النصارى عندما وصلوا لاستنجاز الوعد في الخروج عن جيّان، وتحصّلوا بيده بإشارة عبد الملك بن سعيد، حسبما ثبت في اسم الأمير يحيى، ثقّفهم بالقلعة بيد ثقته المذكور وأمينه أبي مروان، فتحصلوا في معقل حريز، عند أمير وافر العقل، سديد الرأي. ومات ابن غانية بغرناطة لأيام قلائل، واختلف قومه، فنظر أبو مروان لنفسه، وعاهد القمط مرين ومن معه من الزعماء على عهود، أخذها عليهم وعلى سلطانهم، أن يكون تحت أمن وحفظ طول مدّته، فأجريت القلعة في الأمن والحماية، وكفّ أيدي التّعدّي مجرى ما لملك النّصري «٣» من البلاد، فشمل أهلها الأمن، واتسعت فيها العمارة، وتنكبتها النّكبات، وتحاشتها الغارات. ولم يزل أبو مروان بها إلى أن دخل في أمر الموحدين. ووصل هو وابنه إلى السيد أبي سعيد بغرناطة، وحضر معه غزوة ألمريّة، ثم دخل بجملته، فكمل له الأمن، وأقرّ على القلعة، وأمر بسكنى غرناطة بولده. ثم وصل ثانية إلى مراكش صحبة السيد أبي سعيد، ولقي من البرّ ولطف المكانة عادته، واستكتب ابنه أحمد بن أبي مروان الخليفة في هذه الوجهة، وانتظم في جملة الكتّاب والأصحاب.