توفي يوم الخميس الثالث لشعبان عام خمسة وستين وسبعمائة، وقد ناهز السبعين سنة، ودفن بروضتنا بباب إلبيرة، وأعفي شارب الشّعر من نابي «١» مقصّه.
وغير هذه الدعوى قرارها تجاوز القضية.
محمد بن علي بن عمر العبدري «٢»
من أهل تونس، شاطبي الأصل، يكنى أبا عبد الله، صاحبنا.
حاله: كان فاضلا من أبناء النّعم، وأخلاف العافية، ولّي أبوه الحجابة بتونس عن سلطانها برهة، ثم عدا عليه الدهر، واضطر ولده هذا إلى اللحاق بالمشرق، فاتصل به سكناه وحجّ، وآب إلى هذه البلاد ظريف النّزعة، حلو الضّريبة، كثير الانطباع، يكتب ويشعر، ويكلف بالأدب، ثم انصرف إلى وطنه. وخاطبني إلى هذا العهد، يعرّفني بتقلّده خطة العلّامة، والحمد لله.
وجرى ذكره في كتاب «الإكليل» بما نصّه «٣» : غذيّ نعمة هامية، وقريع رتبة سامية، صرفت إلى سلفه الوجوه، ولم يبق بإفريقية «٤» إلّا من يخافه ويرجوه، وبلغ هو مدة ذلك الشرف، الغاية من التّرف. ثم قلب الدهر له ظهر المجنّ، واشتدّ به الخمار «٥» عند فراغ الدّنّ، ولحق صاحبنا هذا بالمشرق بعد خطوب مبيرة «٦» وشدّة كبيرة، فامتزج بسكانه وقطّانه، ونال من اللّذّات ما لم ينله في أوطانه؛ واكتسب الشمائل العذاب، وكان كابن الجهم «٧» بعث إلى الرّصافة ليرقّ فذاب، ثم حوّم على وطنه تحويم الطّائر، وألمّ بهذه المدينة «٨» إلمام الخيال الزائر، فاغتنمت صفقة ودّه لحين وروده، وخطبت موالاته على انقباضه وشروده، فحصلت منه على درّة تقتنى، وحديقة طيّبة الجنى.
شعره: أنشدني في أصحاب له بمصر قاموا ببرّه «٩» : [الطويل]
لكلّ أناس مذهب وسجيّة ... ومذهب أولاد النظام المكارم