فأمر بتجريده، وخلع عليه ما يليق به، ولم يمرّ لهم بعد عهدهم بمثله.
ولم ينتقل ابن قزمان من غرناطة، إلّا بعد ما أجزل له من الإحسان، ومدحه بما هو في ديوان أزجاله.
محنته: جرت عليه بابن حمدين «١» محنة كبيرة عظم لها نكاله، بسبب شكاسة أخلاق كان موصوفا بها، وحدّة شقي بسببها. وقد ألمّ الفتح في قلائده بذلك، واختلّت حاله بآخرة، واحتاج بعد انفصال أمر مخدومه الذي نوّه به.
وفاته: توفي بقرطبة لليلة بقيت من رمضان سنة خمس وخمسين وخمسمائة، والأمير ابن سعد يحاصر قرطبة رحمه الله.
محمد بن غالب الرّصافي «٢»
يكنى أبا عبد الله، بلنسي الأصل، سكن غرناطة مدة، ثم مالقة.
حاله: قال الأستاذ «٣» : كان فحلا من فحول الشعراء، ورئيسا في الأدباء، عفيفا، ساكنا، وقورا، ذا سمت وعقل. وقال القاضي «٤» : كان شاعرا مجيدا، رقيق الغزل، سلس الطبع، بارع التّشبيهات، بديع الاستعارات، نبيل المقاصد والأغراض، كاتبا بليغا، ديّنا، وقورا، عفيفا، متفقها، عالي الهمة، حسن الخلق والخلق والسّمت، تام العقل، مقبلا على ما يعنيه من التّعيش بصناعة الرّفي التي كان يعالجها بيده، لم يبتذل نفسه في خدمة، ولا تعرض لانتجاع بقافية، خلا وقت سكناه بغرناطة، فإنه امتدح واليها حينئذ، ثم نزع عن ذلك، راضيا بالخمول حالا، والقناعة مالا، على شدّه الرغبة فيه، واغتنام ما يصدر عنه.
أخبار عقله وسكونه: قال الفقيه أبو الحسن شاكر بن الفخّار المالقي، وكان خبيرا بأحواله: ما رأيت عمري رجلا أحسن سمتا، وأطول صمتا، من أبي عبد الله الرصافي. وقال غيره من أصحابه: كان رفّاء، فما سمع له أحد من جيرانه كلمة في أحد. وقال أبو عمرو بن سالم: كان صاحبا لأبي، ولقيته غير ما مرة، وكان له