بحقّ من خلق الإنسان من علق ... انظر إلى رقعتي وافهم معانيها
أني فقير ومسكين بلا سبب ... سوى حروف من القرآن أتلوها
سفينة الفقر في بحر الرّجا غرقت ... فامنن عليها بريح منك يجريها
لا يعرف الشوق إلّا من يكابده ... ولا الصّبابة إلّا من يعانيها
وقال القاضي أبو عبد الله بن عبد الملك، وقد ذكره: على الجملة فبه ختم جلّة أهل هذا الشأن بصقع الأندلس، نفعه الله ونفع به.
مولده: ولد بجيّان سنة اثنتين وستين وخمسمائة أو ثلاث وستين.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي بكر التّسوليّ «١»
من أهل تازيّ، يكنى أبا سالم، ويعرف بابن أبي يحيى.
حاله: من أهل «الكتاب المؤتمن»«٢» : كان «٣» هذا الرجل قيّما على «التّهذيب» ، و «رسالة ابن أبي زيد» ، حسن الإقراء لهما؛ وله عليهما تقييدان نبيلان، قيّدهما أيام قراءته إياهما على أبي الحسن الصّغير، حضرت مجالسه بمدرسة عدوة الأندلس من فاس، ولم أر في متصدّري بلده أحسن تدريبا «٤» منه. كان فصيح اللسان، سهل الألفاظ، موفيا حقوقها، وذلك لمشاركته الحضر فيما في أيديهم «٥» من الأدوات؛ وكان مجلسه وقفا على «التهذيب» و «الرسالة» ؛ وكان مع ذلك شيخا «٦» فاضلا، حسن اللقاء، على خلق بائنة من «٧» أخلاق أهل مصره. امتحن بصحبة السلطان، فصار يستعمله في الرسائل، فمرّ في ذلك حظّ كبير من عمره ضائعا، لا في راحة دنيا، ولا في نصيب «٨» آخرة. ثم قال: هذه «٩» سنّة الله فيمن خدم الملوك، ملتفتا إلى ما يعطونه، لا إلى ما يأخذون من عمره وراحته، أن يبوؤا «١٠» بالصّفقة الخاسرة، لطف الله بمن ابتلي بذلك، وخلّصنا خلاصا جميلا.