قاضي الجماعة ببيضة الإسلام فاس، يكنى أبا عبد الله.
حاله: هذا الرجل له أبوّة صالحة، وأصالة زاكية، قديم الطلب، ظاهر التخصّص، مفرط في الوقار، نابه البزّة والركبة، كثير التهمة، يوهم به الفارّ، وصدر الصّدور في الوثيقة والأدب، فاضل النفس، ممحوض النصح، جميل العشرة لإخوانه، مجري الصّداقة نصحا ومشاركة وتنفيقا على سجيّة الأشراف وسنن الحسباء، مديد الباع في فن الأدب، شاعر مجيد، كاتب بليغ، عارف بالتّحسين والتّقبيح، من أدركه، أدرك علما من أعلام المشيخة. قدّمه السلطان الكبير العالم أبو عنان فارس، قاضيا بحضرته، واختصّه، واشتمل عليه، فاتصل بعده سعده، وعرف حقّه. وتردّد إلى الأندلس في سبيل الرسالة عنه، فذاع فضله، وعلم قدره. ولما كان الإزعاج من الأندلس نحو النّبوة التي أصابت الدولة، بلوت من فضله ونصحه وتأنيسه، ما أكد الغبطة، وأوجب الثناء، وخاطبته بما نصه:[الكامل]
من ذا يعدّ فضائل الفشتالي ... والدهر كاتب آيها والتّالي
علم إذا التمسوا الفنون بعلمه ... مرعى المشيح ونجعة المكتال
نال الذي لا فوقها من رفعة ... ما أمّلتها حيلة المحتال
وقضى قياس تراثه عن جدّه ... إن المقدّم فيه عين التالي
قاضي الجماعة، بماذا أثنى على خلالك المرتضاة؟ أبقديمك الموجب لتقديمك؟ أم بحديثك الداعي لتحمّل حديثك؟ وكلاهما غاية بعد مرماها، وتحامى المتصوّر حماها، والضالع لا يسام سبقا، والمنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. وما الظنّ بأصالة تعترف بها الآثار وتشهد، وأبوّة صالحة كانت في غير ذات الحق تزهد، وفي نيل الاتصال به تجهد، ومعارف تقرر قواعد الحق وتمهّد، وتهزم الشّبه إذا تشهّد. وقد علم الله أن جوارك لم يبق للدهر عليّ جوارا «٢» ، ولا حتّ من غصني ورقا ولا نوّارا. هذا وقد زأر على أسد وحمل ثورا، فقد أصبحت في ظل الدولة التي وقف على سيدي اختيارها، وأظهر خلوص إبريزه معيارها، تحت كنف وعزّ مؤتنف، وجوار أبي دلف، وعلى ثقة من الله بحسن خلف. وما منع من انتساب ما لديه من