حاله: هذا الرجل من أهل الفضل والسذاجة، كثير التواضع، منحطّ في ذمّة التّخلّق، نابه الهيئة، حسن الأخلاق، جميل العشرة، محبّ في الأدب؛ قضى ببلده وبغيره، وحجّ وقيّد رحلته في سفر، وصف فيه البلاد ومن لقي، بفصول جلب أكثرها من كلام العماد الأصبهاني، وصفوان وغيرهما، من ملح. وقفل إلى الأندلس، وارتسم في تونس في الكتابة عن أميرها زمانا يسيرا؛ وهو الآن قاض ببعض الجهات الشرقية.
وجرى ذكره في الرّحلة «٣» التي صدرت عني في صحبة الرّكاب السلطاني عند تفقّد البلاد الشرقية؛ في فصل حفظه الناس، وأجروه في فكاهاتهم وهو:
«حتى إذا الفجر تبلّج، والصّبح من باب المشرق تولّج، عدنا وتوفيق الله قائد، وكنفنا من عنايته صلة وعائد، تتلقّى ركابنا الأفواج، وتحيّينا الهضاب والفجاج إلى قنتورية، فناهيك من مرحلة قصيرة كأيام الوصال، قريبة البكر من الآصال، كان المبيت بإزاء قلعتها السّامية الارتفاع، الشهيرة الامتناع؛ وقد برز أهلها في العديد والعدّة؛ والاحتفال الذي قدم به العهد على طول المدّة، صفوفا بتلك البقعة خيلا ورجلا كشطرنج الرّقعة، لم يتخلّف ولد عن والد، وركب قاضيها ابن أبي خالد؛ وقد شهرته النّزعة الحجازيّة، وقد لبس من الحجازيّ، وأرخى من البياض طيلسانا، وتشبّه بالمشارقة شكلا ولسانا، وصبغ لحيته بالحنّاء والكتم «٤» ، ولاث عمامته واختتم، والبداوة تسمه على الخرطوم، وطبع الماء والهواء يقوده قود الجمل المخطوم، فداعبته مداعبة الأديب للأديب؛ والأريب للأريب، وخيّرته بين خصلتين، وقلت: نظمت مقطوعتين، إحداهما مدح؛ والأخرى قدح؛ فإن همت ديمتك، وكرمت شيمتك، فللذين أحسنوا الحسنى، وإلّا فالمثل الأدنى. فقال: أنشدني لأرى على أيّ امرئ أتيت، وأفرق بين ما جنّيتني وما جنيت، فقلت:[الكامل]
قالوا وقد عظمت مبرة خالد ... قاري الضيوف بطارف وبتالد