بزمانه، ومداراة لعدوّه، واستسلالا لحقودهم بحلمه؛ ناهيك من رجل كتب بالقلمين، واعتنى بالعلمين، وشغف باللسان العربي، ونظر فيه، وقرأ كتبه، وطالع أصوله؛ فانطلقت يده ولسانه، وصار يكتب عنه وعن صاحبه بالعربي، فيما احتاج إليه من فصول التحميد لله تعالى، والصلاة على رسوله، صلى الله عليه وسلم، والتزكية لدين الإسلام، وذكر فضائله، ما يريده، ولا يقصر فيما ينشئه عن أوسط كتّاب الإسلام؛ فجمع لذلك «السّجيج في علوم الأوائل الرياضية» وتقدم منتحليها بالتدقيق للمعرفة النّجومية؛ ويشارك في الهندسة والمنطق، ويفوق في الجدل كلّ مستول منه على غاية؛ قليل الكلام مع ذكائه، ماقتا للسباب، دائم التفكّر، جمّاعة للكتب. هلك في العشر الثاني لمحرم سنة تسع وخمسين وأربعمائة «١» ، فجلّل اليهود نعشه، ونكّسوا لها أعناقهم خاضعين، وتعاقدوه جازعين، وبكوه معلنين؛ وكان قد حمل ولده يوسف المكنّى بأبي حسين على مطالعة الكتب، وجمع إليه المعلمين والأدباء من كل ناحية، يعلّمونه ويدارسونه، وأعلقه بصناعة الكتابة، ورشّحه لأول حركته، لكتابة ابن مخدومه بلكّين برتبة المترشّح لمكانه، تمهيدا لقواعد خدمته؛ فلما هلك إسماعيل في هذا الوقت، أدناه باديس إليه، وأظهر الاغتباط به، والاستعاضة بخدمته عن أبيه.
[ذكر مقتل اليهودي يوسف بن إسماعيل بن نغرالة الإسرائيلي:]
قال صاحب البيان «٢» : وترك ابنا له يسمى «٣» يوسف لم يعرف ذلّ «٤» الذّمّة، ولا قذر اليهودية. وكان جميل الوجه، حادّ الذّهن، فأخذ «٥» في الاجتهاد في الأحوال، وجمع «٦» المال، واستخراج الأموال، واستعمال «٧» اليهود على الأعمال، فزادت منزلته عند أميره «٨» ، وكانت له عليه «٩» عيون في قصره من نساء وفتيان، يشملهم «١٠» بالإحسان، فلا يكاد باديس يتنفس، إلّا وهو يعلم ذلك «١١» . ووقع ما تقدم ذكره، في