حاله: كان من أعلام وقته فضلا وعدالة وصلاحا ووقارا، طاهر النشأة، عفّ الطّعمة، كثير الحياء، مليح التّخلّق. نشأ بمرسية، ثم انتقل إلى غرناطة فتولّى القضاء ببيرة وجهاتها، ثم جاز إلى سبتة، وانعقدت بينه وبين رؤسائها المصاهرة في بعض بناته. ثم آب إلى غرناطة عند رجوع إيالة سبتة إلى أميرها، فتقدّم خطيبا بها.
مشيخته: روى بالإجازة عن الخطيب الحافظ أبي الرّبيع بن سالم وأمثاله.
وفاته: الغريبة المستحسنة، قال بعض شيوخنا: كنت أسمعه عند سجوده وتبتّله وضراعته إلى الله يقول: اللهم، أمتني ميتة حسنة، ويكرّر ذلك. فأجاب الله دعاءه، وتوفّاه على أتمّ وجوه التّأنيب طهارة وخشوعا وخضوعا وتأهّبا، وزمانا ومكانا، عندما صعد أوّل درج من أدراج المنبر، يوم الجمعة الثالث والعشرين لشوال من عام أحد عشر وسبعمائة، فكان يوما مشهودا لا عهد بمثله، ما رئي أكثر باكيا منه، وأكثر الناس من الثناء عليه.
عبد الله بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان ابن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأزدي «١»
يكنى أبا محمد.
حاله: من «الصّلة» : قال «٢» : القاضي المحدّث الجليل العالم، كان فقيها جليلا أصوليا، نحويا، كاتبا، أديبا، شاعرا، متفنّنا في العلوم، ورعا، ديّنا، حافظا، ثبتا، فاضلا. وكان يدرّس كتاب سيبويه، ومستصفى أبي حامد «٣» ، ويميل إلى الاجتهاد في نظره، ويغلّب طريقة الظّاهرية «٤» ، مشهورا بالعقل والفضل، معظّما، عند الملوك، معلوم القدر لديهم، يخطب في مجالس الأمراء والمحافل الجمهورية، مقدّما في ذلك، بلاغة وفصاحة إلى أبعد مضمار. ولملوك الموحّدين به اعتناء كبير.
وهو كان أستاذ الناصر «٥» وإخوته، وكان له عند المنصور والدهم، بذلك أكرم أثرة، مع ما كان مشهورا به من العلم والدّين والفضل. ولّي القضاء بإشبيلية وقرطبة