المقرئ الفقيه، الخطيب أبو الحسن، الإمام بجامع غرناطة، أصله من طليطلة.
حاله: كان من خيار الناس وفضلائهم، وأهل المعرفة منهم، عارفا بإقراء كتاب الله، عزّ وجلّ، والرواية للحديث. أخذ الناس عنه، وكانت عنده مشاركة ومسارعة لقضاء الحوائج، والمشي للإصلاح بين الناس، والإشفاق على المساكين، كثير الصدقة، والسّعي في فداء الأسرى، والوسائط الجميلة في مهمّات الأمور ومشكلاتها.
دخل رجل تاجر غريب الميضأة للوضوء، فنسي بها وعاء فيه جملة مال، فتذكّر له، فرجع ولم يجده، فسقط مغشيا عليه، فاجتمع عليه الناس، وهو يقول: مالي، ووافق خروج الأستاذ أبي الحسن المذكور من الجامع، فسأل عنه، فجالس أذنه، فقال:
مالك عندي وديعة تركته أنت عندي، وإذا كان بعد صلاة العصر تأخذه. فقام الرجل، فكأنما نشط من عقال، ومشى الخطيب في حينه إلى مشرف غرناطة ابن مالك، فقال له: إني اشتريت لك قصرا في الجنة، بخمسمائة دنير، وأنا الضّامن لذلك، فشكره، وأخبره الخطيب بالقصة، فدفع إليه المال، فدفعه إلى الرجل. وكان الناس لا يتوقّفون له في أمر.
مشيخته: روى بطليطلة عن أبي عبد الله المقامي، وعن أبي مسلم الضرير المقرئ، والقاضي أبي الوليد الوقّشي، وأخذ عن أبوي علي الصّدفي والغساني، وعن أبي مروان بن سراج، وابنه سراج.
وفاته: توفي بغرناطة في رمضان سنة عشرين وخمسمائة، وصلّى عليه القاضي أبو القاسم بن ورد، ودفن في مقبرة باب إلبيرة، وكانت جنازته حافلة، وتفجّع الناس عليه، وأخلصوا الدعاء له.
وممن رثاه أبو عبد الله بن أبي الخصال بقوله:[الطويل]
عتاب وما يغني العتاب على الزمن ... وشكوى كما تشكو الرّياح إلى السفن
وما رضيت بعد الغضارة أيكة ... نبحت ولكن عالم الكون ممتحن
وماذا عليه والسّلامة حظّه ... بأن تتخطاه النّوائب والمحن
فليت كريما ينعش الناس «١» خيره ... يعمّر فيها عمره «٢» الآن أو حضن