الدمشقية «١» ، حديث الرّكاب، وسمر الليالي، قد دحاه الله في بسيط سهل «٢» تخترقه «٣» المذانب، وتتخلّله الأنهار جداول، وتتزاحم فيه القرى والجنّات، في ذرع أربعين ميلا أو نحوها، تنبو العين فيها عن وجهه؛ ولا تتخطّى المحاسن منها إلّا مقدار رقعة الهضاب، والجبال المتطامية منه بشكل ثلثي دارة «٤» ، قد عرت «٥» منه المدينة فيما يلي المركز لجهة القبلة، مستندة إلى أطواد سامية، وهضاب عالية، ومناظر مشرفة؛ فهي قيد البصر، ومنتهى الحسن، ومعنى الكمال، أضفى الله عليها، وعلى من بها من عباده المؤمنين جناح ستره، ودفع عنهم عدوّ الدّين بقدرته.
[فصل في فتح هذه المدينة ونزول العرب الشاميين من جند دمشق بها وما كانت عليه أحوالهم، وما تعلق بذلك من تاريخ]
قال المؤلّف: اختلف المؤرّخون في فتحها؛ قال ابن القوطيّة «٦» : إن يليان «٧» الرّومي الذي ندب العرب إلى غزو الأندلس طلبا لوتره «٨» من ملكها لذريق بما هو معلوم، قال لطارق بن زياد مفتتحها عندما كسر جيش الرّوم على وادي لكّه: قد فضضت جيش القوم «٩» ودوّخت حاميتهم، وصيّرت الرّعب في قلوبهم، فاصمد لبيضتهم؛ وهؤلاء أدلّاء من أصحابي، ففرّق جيوشك في البلدان بينهم «١٠» ، واعمد أنت إلى طليطلة بمعظمهم، وأشغل القوم عن النظر في أمرهم «١١» ، والاجتماع إلى وليّ رأيهم.
قال «١٢» : ففرّق طارق جيوشه من إستجّة؛ فبعث مغيثا «١٣» الرّومي، مولى الوليد بن عبد الملك بن مروان إلى قرطبة؛ وبعث جيشا آخر إلى مالقة «١٤» ؛ وأرسل