وما ذاك إلّا أنّ أهلك قد مضوا ... تفانوا فأبصرت الديار طلولا
وقفت بها من بعدهم فعل ناد «١» ... لربع خلا يبكي عليه خليلا
لقد كنت «٢» في الأوقات ناشئة التّقى «٣» ... أشدّ به وطأ «٤» وأقوم قيلا
ولما انجلى وجه الهدى فيك مسفرا ... سدلت على وجه الضّلال سدولا
متى ارتاد مرتاد مقيلا لعثرة ... أتاك فألفى للعثار مقيلا
وناديت فينا صحبة الخير أقبلوا ... بإقبالكم حزتم لديّ قبولا
لقد كنت لما واصلوك ببرّهم ... حفيّا بهم برّا لهم ووصولا
أقاموا لدين الله فيك شعائرا ... هدتهم إلى دار السلام سبيلا
فكم أطلقوا فيها أعنّة جدّهم ... وكم أرسلوا فيها الدموع همولا
دموعا أثارت سحّها ريح زفرة ... فسالت وخدّت في الخدود مسيلا
لديك أيا شهر الهدى قصّروا المدى ... فكم لك في شأو الفضائل طولا
دلائل تشريف لديك كثيرة ... كفى بكتاب الله فيك دليلا
[ومن الصوفية والصلحاء]
[فضل بن محمد بن علي بن فضيلة المعافري]
يكنى أبا الحسن، من أهل الشرق الأندلسي، أبو الحسن الولي الصالح الصوفي.
حاله: كان وليّا فاضلا، زاهدا، على سنن الفضلاء، وأخلاق الأولياء، غزير العلم، كثير العمل، دائم الاعتبار، مشهور الكرامة، مستجاب الدعوة، صوفيّا محققا، انتهت إليه الرئاسة في ذلك على عهده. يدلّ على ذلك كلامه على أغراض القوم، وكشفه عن رموزهم وإشاراتهم، أديبا بليغا، كاتبا مرسلا، لا يشقّ غباره في ذلك.
قائما على تجويد كتاب الله، عالي الرواية، أسنّ وتناهى وازدلف إلى التّسعين، ممتّعا بجوارحه، وولّي الخطابة والإمامة بالمسجد الأعظم، أقرأ به مدة كبيرة.
قال ابن الزبير في «صلته» : كان جليلا في ذاته وخلقه ودينه، معدوم النظير في ذلك، مشاركا في فنون من العلم، أديبا بارعا، كاتبا بليغا، فصيح القلم، متقدما في ذلك، متصوّفا، سنيّا، ورعا، معدوم القرين في ذلك، متواضعا، مقتصدا في شؤونه