بمكة، كرّمها الله، عن أبي ثابت وأبي الفتح عبد الله بن محمد البيضاوي وأبي نصر عبد الملك بن أبي مسلم العمراني. قلت: وغيرهم اختصرتهم لطولهم، وقفل إلى الأندلس فحدّث بغير بلده منها؛ لتجواله فيها.
من روى عنه: روى عنه أبو بكر بن رزق، وأبو جعفر بن الغاسل، وغيرهما «١» .
محنته: امتحن من قبل علي بن يوسف بن تاشفين، فحمل إليه صحبة أبي الحكم بن يوجان، وأبي العباس بن العريف، وضرب بالسّوط عن أمره، وسجنه وقتا، ثم سرّحه وعاد إلى الأندلس، وأقام بها يسيرا، ثم انصرف إلى المشرق، فتوقف بالجزائر، وتوفي بها في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وخمسمائة.
[محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري الساحلي]
يكنى أبا عبد الله، ويعرف ببلده مالقة بالمعمّم.
حاله: كان طبقة من طبقات الكفاة، ظرفا ورواء وعارضة وترتيبا، تجلّل بفضل شهرة أبيه، وجعل بعض المترفين من وزراء الدّول بالمغرب أيام وجّهته إليه صحبة الشيخ الصالح أبيه في غرض السفارة، مالا عريضا لينفقه في سبيل البرّ، فبنى المدرسة غربي المسجد الأعظم، ووقف عليها الرّباع، وابتنى غيرها من المساجد، فحصلت الشهرة، ونبه الذّكر وتطوّر، ورام العروج في مدارج السّلوك، وانقطع إلى الخلوة، فنصلت الصّبغة، وغلبت الطّبيعة، وتأثّل له مال جمّ اختلف في سبب اقتنائه، وأظهر التجر المرهف الجوانب بالجاه العريض، والحرص الشّديد، والمسامحة في باب الورع، فتبنّك به نعيما من ملبس ومطعم وطيب وترفّه، طارد به اللّذة ما شاء في باب النّكاح استمتاعا وذواقا يتبع رائد الطّرف، ويقلّد شاهد السّمع، حتى نعي عليه، وولّي الخطابة بالمسجد الأعظم بعد أبيه، فأقام الرسم، وأوسع المنبر ما شاء من جهوريّة وعارضة، وتسوّر على أعراض، وألفاظ في أسلوب ناب عن الخشوع، عريق في نسب القحة. ثم رحل إلى المشرق مرة ثانية، وكرّ إلى بلده، مليح الشّيبة، بادي الوقار، نبيه الرّتبة، فتولّى الخطابة إلى حين وفاته.