فبقشتالة سلطانها المتقدم الذكر في الدولة الأولى، بطره ابن السلطان ألهنشة «١» بن هراندة بن شانجه بن ألهنشة «٢» بن هراندة، متأكّدة بينهما السلم الجمّة، والهدنة المبرمة، بما سلف من مظاهرته إيّاه، والحرص على ما استحانه من المغرب في أسطوله، وبعثه إليه برأس عدوّه المتوثّب على ملكه، ورؤوس أشياعه، الظالمين الغدرة، وأتباعه الفجرة، مستمرّة أيامه إلى وسط شعبان عام سبعة وستين، صارفا وجهه إلى محاربة صاحب برجلونة «٣» ، مستوليا على كثير من قواعده الشهيرة، وقلاعه المنيعة، لما أسلفه به من إجازته، أخيه أندريق المدعوّ بالقند، ومظاهرته حتى ساءت أحواله وأحوال عدوّه، وأوهنت الحركات قوى جيشه، وأضعف الاحتشاد عمرة أرضه، واشرأبّت القلوب إلى الانحراف عن دعوته، ومالت النفوس إلى أخيه، وقامت البلاد بدعوته، وتلاحقت الوجوه بجهته، ورام التمسّك بإشبيلية دار ملكه، فثار أهلها به في عام سبعة وستين. فخرج فارّا عنها ... «٤» به والسلاح يهشّ إليه، وبعد أن استظهر بخويصته، وأحمل ما قدر عليه من ذخيرة، ورفع من له من ولد وحرمة، رأى سخنة العين من انتهاب قصوره، وتشعيث منازله، وعياث الأيدي في خزائنه، وأسمعه الناس من محض التأنيب وأعراض الشمّات، ما لا مزيد عليه، ولاذ بصاحب برتغال، فنأى عنه جانبه لما يجنيه أبواه من مخالفة رأي الأمّة فيه، فقصد بلاد غليسية، وتلاحق أخوه أندريق بحضرة إشبيلية، فاستوى على الملك وطاعت لأمره البلاد، وعاجله المسلمون لأول أمره، فاستولوا على كثير من الثغور، والحمد لله.
ولمّا توسّد له الأمر تحوّل لاستئصال شأفة المخلوع، فأجلى عن غليسية في البحر، واستقرّ ببلد بيونة، ممّا وراء دروب قشتالة، وانتبذ عن الخطّة القشتالية وأمر نفسه، ولجأ إلى ابن صاحب الأنتكيرة «٥» ، وهو المعروف ببرقسين أبي الأمير، وبين أول أرضه وبين قشتالة؛ ثمانية أيام، فقبله ولد السلطان المذكور، الساكن بأول ما تلقّاه من تلك الأرض، وسفر بينه وبين أبيه فأنكر الأب استئذانه إياه، والمراجعة في نصره، حميّة له، وامتعاضا للواقع. وحال هذه الأمة غريبة في الحماية الممزوجة بالوفاء والرقّة، والاستهانة بالنفوس في سبيل الحمد، وبين يدي العشائق، عادة العرب الأول. وأخبارهم في القتال غريبة، من الاسترجال والزحف على الأقدام، أميرهم ومأمورهم، والجثوّ في الأرض، أو دفن ببعض الأرض في التّراب، والاستظهار في