وفاته: توفي بسبتة أول ليلة من جمادى الآخرة عام خمسة وأربعين وستمائة.
[محمد بن عبد الله بن داود بن خطاب الغافقي]
حاله: من صلة ابن الزبير: كان كاتبا بارعا، شاعرا مجيدا، له مشاركة في أصول الفقه وعلم الكلام، وغير ذلك، مع نباهة وحسن فهم، ذو فضل وتعقل، وحسن سمت. وورد على غرناطة، واستعمل في الكتابة السلطانية مدة، وكان معلوم القدر، معظّما عند الكافة. ثم إنه رجع إلى مرسية، وقد ساءت أحوالها، فأقام بها مدة، ثم انفصل عنها، وقد اشتدّت أحوالها، واستقر بالعدوة بعد مكابدة.
قلت: أخبرني شيخنا أبو الحسن الجياب، رحمه الله، قال: كان شكس الأخلاق، متقاطبا، زاهيا بنفسه؛ ابتدأ يوما كتابا مصدّرا بخطبته، فقال فيه يصف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم «عفوة العفوة» ، وتركه لأمر عرض له، فنظر إليه الفقيه عمر اللّوشي، وهو كاتب المقام السلطاني، فظنّ لقصوره أنه وهم، وأراد «الصفوة» فأصلحه، فلمّا عاد ونظر إليه مزّقه، وكسر الآلة، وقال: لا أقيم بموضع بلغ فيه الجهل إلى هذا القدر، ويتسوّر به الإصلاح على قلم يطمع بعد في مقامه.
وانصرف، واستقرّ بتلمسان، كاتبا عن سلطانها أبي يحيى يغمراسن بن زيّان.
وزعموا أن المستنصر أبا عبد الله ابن الأمير أبي زكريا، استقدمه على عادته في استدعاء الكتّاب المشاهير والعلماء، وبعث إليه ألف دينار من الذهب العين، فاعتذر وردّ عليه المال، وكانت أشقّ ما مرّ على المستنصر، وطهر له علوّ شأنه، وبعد همّته.
مشيخته: روى عن القاضيين أبي عيسى بن أبي السّداد، وأبي بكر بن محرز، وعن الأستاذ أبي بكر محمد بن محمد، المعروف بالقرشي، وقرأ وسمع على هؤلاء ببلده، وأجاز له كتابة أبو الربيع بن سالم وغيره.
شعره: من ذلك قوله: [الكامل]
اقنع بما أوتيته تنل الغنى ... وإذا دهتك ملمّة فتصبّر
واعلم بأنّ الرزق مقسوم فلو ... رمنا زيادة ذرّة لم نقدر
والله أرحم بالعباد فلا تسل ... أحدا تعش عيش الكرام وتؤجر
وإذا سخطت لبؤس حالك مرة ... ورأيت نفسك قد غوت فلتبصر
وانظر إلى من كان دونك تدّكر ... لعظيم نعمته عليك وتشكر