قال أبو مروان في المقتبس: إن عبد الرّحمن لمّا شرّده الخوف إلى قاصية المغرب، وتنقّل بين قبائل البربر، ودنا من ساحل الأندلس- وكان بها همّه- يستخبر من قرب، فعرف أن بلادها مفترقة بفرقتي المضرية واليمانية، فزاد ذلك في أطماعه، فأدخل إليهم بدرا مولاه يحسّس عن خبرهم، فأتى القوم ويلي ما عندهم، فداخل اليمانيين منهم، وقد عصفت ريح المضريين بظهور بني العباس بالمشرق، فقال لهم:
ما رأيكم في رجل من أهل الخلافة يطلب الدولة بكم، فيقيم أودكم ويدرّككم آمالكم؟ فقالوا: ومن لنا به في هذه الديار، فقال بدر: ما أدناه منكم، وأنا الكفيل لكم به، هذا فلان بمكان كذا وكذا يقدّمنّ نفسه فقالوا: فجىء به أهلا، إنّا سراع إلى طاعته، وأرسلوا بدرا بكتبهم يستدعونه، فدخل إليه بأيمن طائر، واستجمع إليه خلق كثير من أنصاره قاتل بهم يوسف الفهري، فقهره لأول وقائعه، وأخذ الأندلس منه وأورثها عقبه.
محنته: قال الراوي: وكان من أكبر من أمضى عليه عبد الرحمن بن معاوية حكم سياسته وقوّمه معدلته، مولاه بدر المعتق منه بكل ذمّة محفوظة، الخائض معه لكل غمرة مرهوبة، وكل ذلك لم يغن عنه نقيرا لما أسلف في إدلاله عليه، وكثير من الانبساط لحرمته، فجمع مركب تحامله حتى أورده ألما يضيق الصدر عنه، وآسف أميره ومولاه، حتى كبح عنانه عن نفسه بعد ذلك كبحة أقعى بها أو شارف حمامه، لولا أن أبقى الأمير على نفسه التي لم يزل مسرفا عليها. قال: فانتهى في عقابه لمّا سخط عليه أن سلب نعمته، وانتزع دوره وأملاكه وأغرمه على ذلك كله أربعين ألفا من صامته، ونفاه إلى الثّغر، فأقصاه عن قربه، ولم يقله العثرة، إلى أن هلك، فرفع طمع الهوادة عن جميع ثقله وخدمته، وصيّر خبره مثلا في الناس بعده.
تاشفين بن علي بن يوسف أمير المسلمين «١» بعد أبيه بالعدوة
صالي حروب الموحدين.
أوّليّته: فيما يختصّ به التعريف بأوّليّة قومه، ينظر في اسم أبيه وجدّه إن شاء الله. قال ابن الورّاق في كتاب المقياس وغيره «٢» : وفي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، ولّى الأمير علي بن يوسف أمير لمتونة، الشهير بالمرابط، ولده الأمير