المسمّى بسير عهده من بعده. وجعل له الأمر في بقية حياته؛ ورأى أن يولي ابنه تاشفين الأندلس، فولّاه مدينة «١» غرناطة، وألمريّة ثم قرطبة مضافة إلى ما بيده.
قلت: وفي قولهم رأي أن يولّى الأندلس فولّاه مدينة غرناطة، شاهد كبير على ما وصفناه من شرف هذه المدينة؛ فنظر في مصالحها، وظهر له بركة في النصر على العدو، وخدمه الجدّ الذي أسلمه. وتبرّأ منه في حروبه مع الموحّدين حسبما يتقرّر في موضعه، فكانت له على النصارى وقائع عظيمة بعد لها الصّيت، وشاع الذّكر حسبما يأتي في موضعه. قال: فكبر ذلك على أخيه سير وليّ عهد أبيه، وفاوض أباه في ذلك وقال له: إن الأمر الذي أهّلتني إليه «٢» لا يحسن لي مع تاشفين، فإنه قد حمل الذكر والثّناء دوني، وغطّى على اسمي، وأمال إليه جميع أهل «٣» المملكة، فليس لي معه اسم ولا ذكر، فأرضاه بأن عزله عن الأندلس وأمره بالوصول إلى حضرته، فرحل عن الأندلس في أواسط سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ووصل مرّاكش، وصار من جملة من يتصرّف بأمر أخيه سير ويقف ببابه كأحد حجّابه؛ فقضى الله وفاة الأمير سير على الصورة القبيحة حسبما يذكر في اسمه، وثكله أبوه واشتدّ جزعه عليه، وكان عظيم الإيثار والإرضاء لأمّه قمر، وهي «٤» التي تسبّبت في عزل تاشفين وإخماله نظرا إلى ابنها، فقطع المقدار بها عن أملها بهلاكه.
ولمّا توفي الأمير سير، أشارت الأمّ المذكورة على أبيه بتقديم ولده إسحاق، وكان رؤوما لها، قد تولّت تربيته عند هلاك أمّه وتبنّته، فقال لها: هو صغير السّن لم يبلغ الحلم؛ ولكن حتى أجمع الناس في المسجد خاصّة وعامّة، وأخبرهم فإن صرفوا الخيار إليّ، فعلت ما أشرت به. فجمع الناس وعرض عليهم الأمر؛ فقالوا كلهم في صوت واحد: تاشفين، فلم توسعه السياسة مخالفتهم؛ فعقد له الولاية بعده ونقش اسمه في الدنانير والدراهم مع اسمه، وقلّده النظر في الأمور السلطانية، فاستقرّ بذلك. وكتب إلى العدوة والأندلس وبلاد المغرب ببيعته، فوصلت البيعات من كل جهة. ثم رمى به جيوش الموحّدين الخارجين عليه، فنبا جدّه ومرضت أيامه، وكان الأمر عليه لا له، بخلاف ما صنع الله له بالأندلس.