للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو مروان الورّاق «١» : وكان «٢» أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين قد أمل في ابنه تاشفين ما لم تكن الأقدار تساعده به، فتشاءم به وعزم على خلعه وصرف عهده إلى إسحاق «٣» ولده الأصغر، ووجّه إلى عامله على إشبيلية عمر «٤» ، أن يصل إليه ليجعله شيخ ابنه، إلى أن وافاه خبر أمضّه وأقلقه ولم يمهله، فأزعج تاشفين إلى عدوّه على غير أهبة بتفويضه إياه، وصرف المدد في إثره، وتوفي لسبع خلون من رجب سنة سبع وثلاثين «٥» لفعله ذلك.

ملكه ووصف حاله: فأفضى إليه ملك أبيه، بتفويضه إياه في حياته، لسبع خلون من رجب سنة سبع وثلاثين وخمسمائة، وكان بطلا شجاعا حسن الرّكبة والهيئة، سالكا ناموس الشريعة، مائلا إلى طريقة المستقيمين، وكتب المريدين؛ قيل إنه لم يشرب قطّ مسكرا ولا استمع إلى قينة، ولا اشتغل بلذّة ممّا يلهو به الملوك.

الثّناء عليه: قال ابن الصيرفي «٦» : وكان بطلا شجاعا، أحبّه الناس، خواصّهم وعوامّهم، وحسنت سياسته فيهم، وسدّ الثّغور، وأذكى «٧» على العدو العيون، وآثر الجند، ولم يكن منه إلّا الجدّ، ولم تنل عنده الحظوة «٨» ، إلّا بالعناء والنجدة. وبذلك حمل على الخيل، وقلّد الأسلحة، وأوسع الأرزاق، واستكثر من الرّماة «٩» وأركبهم وأقام همّتهم «١٠» للاعتناء بالثغور ومباشرة الحرب، ففتح الحصون وهزم الجيوش وهابه العدو. ولم ينهض إلا ظاهرا ولا صدر إلّا ظافرا. وملك الملك ومهد بالحزم وتملّك «١١» نفوس الرعيّة بالعدل «١٢» ، وقلوب الجند بالنّصفة. ثم قال: ولولا الاختصار الذي اشترطناه لأوردنا من سنى خلاله ما يضيق عنه الرّحب، ولا يسعه الكتب.

دينه: قال المؤرّخ: عكف على زيارة قبر أبي وهب الزاهد بقرطبة، وصاحب أهل الإرادة، وكان وطئ الأكناف «١٣» ، سهل الحجاب، يجالس الأعيان ويذاكرهم.