والعكوف على تجويد كتاب الله وإقرائه، منقطع القرين فيه، كثير المناقشة والتحقيق، يرى أن ليس في الأرض من يحكم ذلك حق إحكامه، ما لم يأخذه.
مشيخته: قرأ على جملة من حملة كتاب الله بالمشرق والمغرب والأندلس، وعني بذلك. ثم لم يعتمد منهم إلّا على الأستاذ أبي إسحاق الغافقي بسبتة، والخطيب أبي جعفر بن الزيات ببلّش من الأندلس، واستمرت حاله على سبيلها من الزهد والانقباض والتنطّع، والإغراق في الصلاح، والشّذوذ في بعض السجايا إلى أن توفي.
بعض من نوادره مع اخشيشانه: حدّثني القاضي أبو الحسن بن الحسن أن بعض الطلبة المتنسّكين قال له: أتيتك أقرأ عليك، فأستخير الله، ثم أتاه فقال: قد استخرت، وهمّ بالقراءة، فقال له الشيخ: أمسك حتى أستخير أنا الله في قراءتك عليّ، فقال الطالب: وهذا عمل برّ، فقال له: الحجة عليك، فانفصل عنه. ثم عاد إليه يسأل منه القراءة، فقال: يا بني، ظهر لي أن لا تقرأ عليّ، فانصرف.
ومن أخباره في الكرامة، قال لي المذكور: وقد أزمعت السفر إلى ظاهر طريف مع جمع المسلمين، أنك إن سافرت يا ولدي، تقاسي مشقّة عظمي إن سبق القدر بحياتك، والله يرشدك، وقد كنت شرعت في ذلك مع رفقائي. وفي سحر ليلة اليوم الذي انهزم فيه المسلمون، رأيته في النوم يقول لي منكرا عليّ: قلت لك لا تسافر، يكرّرها، فاستيقظت، وأوقع الله بقلبي الرجوع إلى الجزيرة، لآراب أقضيها، فما بلغ زوال الشمس من اليوم إلّا ومقدّمة الفلّ على أطواق البلد في أسوإ حال.
وفاته: توفي ببلدة مالقة خامس صفر، من عام خمسين وسبعمائة في وقيعة الطّاعون، توفي وآخر كلامه: رزقنا الله عملا صالحا يقربنا إليه زلفى، وجعلنا ممن يمرّ عقبتي الدنيا والآخرة مرور أهل التقوى.
ومن الكتّاب والشعراء
[قرشي بن حارث بن أسد بن بشر بن هندي بن المهلب ابن القاسم بن معاوية بن عبد الرحمن الهمداني]
حاله: هو أعرق الناس في الشعر؛ لأنّ جدّه المهلّب كان شاعرا، وولده هندي كذلك، وأسد وحارث وقرشي، فهم شعراء سنة على نسق، ويدلّ شعرهم على شرف نفوسهم وبعد هممهم.