للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحيى بن علي بن غانية الصحراوي، الأمير أبو زكريا «١»

حاله: كان بطلا شهما حازما، كثير الدهاء والإقدام، والمعرفة بالحروب، مجمعا على تقدمه. نشأ في صحبة الأمير بقرطبة محمد ابن الحاج اللّمتوني وولّاه مدينة إستجة، فهي أول ولايته. وليها يحيى، وتزوج محمد بن الحاج أمّه غانية بعد أبيه وكفله، وأقام معه بقرطبة، إلى أن كان من محمد ابن الحاج ما كان من مداخلة أشياخ مسّوفة على خلع محمد بن يوسف بن تاشفين عن الأمر، وصرف البيعة إلى يحيى الحفيد، الوالي في ذلك العهد بمدينة فاس، ولم يتمّ له الأمر، فأجلي عن نكبته. وانفصل يحيى بن غانية عن جماعته، وأقام متصرّفا في الحروب، معروف الحق والغناء، إلى أن اشتهرت بسالته وديانته، ورغب يديّر بن ورقا، صاحب بلنسية، من السلطان في توجيهه إليه، ليستعين به على مدافعة العدوّ، فأجيب إلى ذلك.

فوصل يحيى بلنسية، وأقام بها ذابّا عن المسلمين، إلى أن توفي يدّير بن ورقا، فولّاه علي بن يوسف إياها وشرق الأندلس، فظهر غناؤه وجهاده، وهزم الله بها ابن رذمير الطّاغية منازلا إفراغة على يده، فطار ذكره، وعظم صيته، واشتهر سعده، وأسل عن البيضة دفاعه.

أخبار عزمه: حكي عنه أنه تزوج في فتوّته امرأة من قومه شريفة جميلة، وقرّ بها عينا، ثم تركها وطلّقها، فسئل عن ذلك، فقال: والله ما فارقتها عن خلّة تذمّ، ولكن خفت أن أشتغل بها عن الجهاد. ولم يزل يدافع النصارى عن المسلمين بالأندلس، فهزم ابن رذمير، وأقلع محلاتهم عن مدينة الأشبونة، واستمسك به حال الأندلس. وولّي قرطبة وما إليها من قبل تاشفين بن علي بن يوسف، عام ثمانية وثلاثين وخمسمائة، فاستقامت الأمور بحسن سيرته، وظهور سعده، إلى صفر من عام تسعة وثلاثين. وكانت ثورة ابن قسي باكورة الفتنة. ولما خرج إلى لبلة، ثار ابن حمدين بقرطبة دار ملكه في رمضان من العام، واستباح قصره، وانطلقت الأيدي على قومه، وتمّ له الأمر. وبلغ يحيى الخبر، فرجع أدراجه إلى إشبيلية، فثار به أهلها، وناصبوه الحرب وأصابوه بجراحة، فلجأ إلى حصن مرجانة، فأقام به يصابر الهول، ويرقّع القنن. ثم تحرّك إليه جيش ابن حمدين، وكانت بينهما وقيعة انهزم فيها ابن حمدين، واستولى ابن غانية على قرطبة، في شعبان من عام أربعين، وتحصّن ابن حمدين بأندوجر ممتنعا بها. ونهض يحيى إلى منازلته، فاستعان ابن حمدين بملك