للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خارج البلد، موضعا يعرف بالقنب «١» ، قد تفجّر عيونا، وجمع ماؤه وهواؤه من المحاسن فنونا، وعرض علينا النزول في الدّيار داخل المدينة، فرأينا المقام فيه أحد الأسباب المسعدة على حفظ الصحة المعينة، ورغبنا عن المدينة لحرّها الوهاج، وغبارها العجاج، ومائها الأجاج. ولمّا ثاب من النشاط البارح، واستقلّ من المطيّ الرازح، طفت في خارجها وداخلها، ووقفت على مبانيها المشيّدة ومنازلها، ورأيت انسياب أراقشها، وتقصيت آثار طريانتها «٢» وبراقشها، فشاهدت من المباني العتيقة، والمنارة «٣» الأنيقة، ما يملأ أعين النّظّار، وينفسح فيه مجال الاعتبار، على أني ما رأيتها إلّا بعد ما استولى عليها الخسف، وبان عنها الظّرف، ونبا عنها الطّرف، فلا ترى من مغانيها إلّا طللا دارسا، ولا تلمح من بدائعها إلا محيّا عابسا، لكن الرائي إذا قدّر وضعها الأول، وركب وهمه من مبانيها ما تحلّل، وتخيّل في ذهنه حسنها وتمثل، تصور حسنا يدعو إلى المجون، ويسلي عن الشجون، لولا أنها عرضت لأشمط راهب، لما دان إلّا بدن ولا تقرّب بغير قارب، وحسبي أن أصفها بما يقيها من القبول، وأقول إنها في البلاد بمنزلة الربيع من الفصول، ولولا أن خاطري مقسّم، وفكري حدّه مثلم، لقضيت من الإطناب وطرا، ولم أدع من معاهدها عينا إلّا وصفتها ولا أثرا.

وفاته: توفي بتلمسان يوم عاشوراء سنة ست وثمانين وستمائة.

محمد بن عبد الله بن محمد بن لب الأمي «٤»

يكنى أبا عبد الله، ويعرف بابن الصايغ، بالصاد المهملة، والغين المعجمة، من أهل ألمريّة.

حاله: من خطّ «٥» شيخنا أبي البركات في «الكتاب المؤتمن على أنباء أبناء الزمن» : كان سهلا، سلس القياد، لذيذ العشرة، دمث الأخلاق، ميّالا إلى الدّعة، نفورا عن النّصب، يركن إلى فضل نباهة وذكاء، يحاسب بها «٦» عند التحصيل والدراسة والدّؤوب على الطلب، من رجل يجري من الألحان على مضمار لطيف،