اقتضى نظر الحزم، ورأى الاجتهاد للإسلام إطلاق الغارات على بلد الكفرة من جميع جهات المسلمين، فعظم الأثر، وشهر الذكر، واكتسحت الماشية، وألحم السيف. وكان ثغر برغة، الفائزة به يد الكفرة، لهذه السنين القريبة، قد أهمّ القلوب، وشغل النفوس، وأضاق الصدور، لانبتات «١» مدينة رندة، بحيث لا يخلص الطّيف، ولا تبلغ الرسالة من الطّير وغيرها إلى ناحية العدو، فوقع العمل على قصده واستعانة الله عليه، واستنفر لمنازلته أهل الجهات الغربية من مالقة ورندة، وما بينهما، ويسّر الله في فتحه، بعد قتال شديد، وحرب عظيمة، وجهاد شهير، واستولى المسلمون عليه، فامتلأت أيديهم أثاثا وسلاحا ورياشا وآلة، وطهّرت للحين مساجده، وزيّنت بكلمة الله مشاهده، وأنست بالمؤمنين معاهده، ورتّبت فيه الحماة والرماة، والفرسان الكماة، واتّصلت بفتحة الأيدي، وارتفعت العوائق، وأوضحت بين المسلمين وأخوانهم السبل، والحمد لله. وتوجّهت بفتحه الرسائل، وعظمت المنن الجلائل، وفرّ العدو لهذا العهد عن حصن السهلة، من حصون الحفرة اللّويشيّة، وسدّ الطريق الماثلة، وذلك كله في العشر الأوسط لشعبان من هذا العام. ثم أجلب المسلمون في رندة في أخرياته وقصدوا باغة وجيرة فاستنزلوا أهلها، وافتتحوها، فعظمت النعمة، واطّرد الفتح، واتسعت الجهة.
وكانت مما خوطبت به الجهة المرينيّة «٢» من إملائي:
المقام الذي نبشره بالفتح ونحيّيه، ونعيد له خبر المسرّة بعد أن نبديه؛ ونسأل الله أن يضع لنا البركة فيه، ونشرك مساهمته فيما نهصره من أغصان الزهور ونجنيه، ونعلم أن عزّة الإسلام وأهله أسنى أمانيه، وإعانتهم أهمّ ما يعنيه. مقام محلّ أخينا الذي نعظم قدره، ونلتزم برّه، ونعلم سرّه في مساهمة المسلمين وجهره؛ السلطان الكذا، الذي أبقاه الله في عمل الجهاد ونيّته؛ متكفلة بنشر كلمة الله طويّته، متممة من ظهور الدين الحنيف أمنيته، معظّم جلاله، ومجزل ثنائه، ومؤمّل عادة احتفاله بهذا الوطن الجهادي واعتنائه، أيّد الله أمره، وأعزّ نصره. سلام كريم عليكم، ورحمة الله وبركاته. أما بعد حمد الله، واصل سبب الفتوح، ومجزل مواهب النّصر الممنوح، ومؤيد الفئة القليلة بالملائكة والرّوح، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبيّه، الآتي بنور الهدى بيّن الوضوح، الداعي من قبوله ورضوانه إلى المنهل المورود والباب المفتوح، والرّضا عن آله وأصحابه، أسود السّروج وحماة السّروح، والمقتفين