والسفارة للعدوة. وهو مع ذلك أقدرهم على هذا الشأن، وأسخاهم قريحة في هذا الميدان، وإن أتى غيره بماء أو حمأة، أتى هو بالبحر الذي لا ساحل له. ولعمري لو قام هو بما يجب من ذلك، لزال القدح في نسب وفاء الغير، فعين ما نسبه من التقصير عن الحق في ذلك، متوجّه عليه، ولا حقّ له، ولا يبعد عنده أن يكون وقع بينهما ما أوجب إعراضه مما يقع في الأزمان، ولا سيما من أهل هذ الشان، فيكون ذلك سببا في إعراض الغير مشيا في غرضه، ومساعدة له. والله أعلم بحقيقة ذلك كله.
[محمد بن علي بن محمد البلنسي]
من أهل غرناطة، يكنى أبا عبد الله.
حاله: طالب هشّ، حسن اللّقاء، عفيف النشأة، مكبّ على العلم، حريص على استفادته، مع زمانة أصابت يمنى يديه، نفعه الله. قيّد بأختها وانتسخ، قائم على العربية والبيان، ذاكر الكثير من المسائل، حافظ متقن، على نزعة عربية من التّجاذع في المشي وقلّة الالتفات إلّا بجملته، وجهوريّة الصوت، متحلّ بسذاجة، حسن الإلقاء والتقرير، متّ للمتغلّب على الدولة بضنّ أفاده جاها واستعمالا في خطّة السوق، ثمّ اصطناعا في الرسالة إلى ملك المغرب، جرّ عليه آخرا النّكبة، وقاد المحنة، فأرصد له السلطان أبو عبد الله في أخرياتها رجالا بعثهم في رندة، فأسروه في طريقه، وقدموا به سليبا قدوم الشّهرة والمثلة، موقنا بالقتل. ثم عطف عليه حنينا إلى حسن تلاوته في محبسه ليلا، فانتاشه لذلك من هفوة بعيدة ونكبة مبيرة. ولما عاد لملكه، أعاده للإقراء.
مشيخته: جلّ انتفاعه بشيخ الجماعة أبي عبد الله بن الفخّار، لازمه وانتفع به، وأعاد دول تدريسه، وقرأ على غيره. وألّف كتابا في تفسير القرآن، متعدّد الأسفار، واستدرك على السّهيلي في أعلام القرآن كتابا نبيلا، رفعه على يدي للسّلطان. وهو من فضلاء جنسه، أعانه الله وسدّده.
محمد بن سعد بن محمد بن لب بن حسن بن حسن ابن عبد الرحمن بن بقيّ «١»