نكبته: وكان يحيى بن غانية قد ولّاه حصن بني بشير، فثقّفه وحصّنه، ونقل إليه أمواله ومتاعه وذخيرته. ولمّا توفي مولاه لحق به وملك أمره واستعان بجماعة من النصارى، ثم بدا له لضعف رأيه وسوء تدبيره، أن ألقى بيده إلى ابن أخي مولاه إسحاق بن محمد بن غانية، فأناب ولحق به، معتذرا عن توقفه، فقبض عليه وصفّده، وعرض عليه العذاب، وأسكنه في تابوت، باطنه مسامير، لا يمكنه معها التصرف، وأجاعه بمرأى من الطعام بمطبخه، إلى أن مات جوعا وألما. وهو مع ذلك لا يطمعه في شيء من المال. وتخلّف بالحصن رجلا من جهة سرقسطة، يعرف بابن مالك، ويكنى أبا مروان، فلمّا ذاع خبر القبض عليه، بادر الموحدون الذين بلوشة، فتغلّبوا عليه، واستولوا على ما كان به من مال وذخيرة، ووجدوا فيه من أنواع الثياب والحلي والذّخيرة، كل خطير عظيم، وشدّوا على ابن مالك في طلب المال، فلم يجدوا عنده شيئا، إلى أن فدى نفسه منهم، بمال كبير، فمضى فلّوج على هذا السبيل.
[ومن المقرئين والعلماء]
قاسم بن عبد الله بن محمد الشّاط الأنصاري «١»
نزيل سبتة، وأصله من بلنسية، يكنى أبا القاسم. قال: والشّاط اسم لجدّي، وكان طوالا فجرى عليه الاسم.
حاله: نسيج وحده في إدراك النظر، ونفوذ الفكر، وجودة القريحة، وتسديد الفهم، إلى حسن الشمائل، وعلو الهمة، وفضل الخلق، والعكوف على العلم، والاقتصار على الآداب السّنية، والتحلي بالوقار والسكينة. أقرأ عمره بمدرسة سبتة الأصول والفرائض، متقدما، موصوفا بالأمانة. وكان موفور الحظ من الفقه، حسن المشاركة في العربية، كاتبا، مرسّلا، ريّان من الأدب، ذا مماسّة في الفنون، ونظر في العقليات، ضرورة لم يتزوج، ممن يتحلى بطهارة وعفاف.
وقال في «المؤتمن» : كان مع معارفه، عالي الهمة، نزيه النفس، ذا وقار وتؤدة في مشيه ومجلسه، يشاب وقاره بفكاهة نظيفة، لا تنهض إلى التأثير في وقاره، ظريف الملبس، يخضب رأسه بالحنّاء على كبره.
مشيخته: قرأ بسبتة على الأستاذ الكبير أبي الحسن بن أبي الربيع وبه تأدب، وعلى أبي بكر بن مشليون، وعلى الحافظ أبي يعقوب المحاسبي، وعلى الطبيب أبي