حاله: كان صبيّا ظاهر السكون والأدب، في سنّ المراهقة، لم ينشب أن نازله جيش عدوّه. ومالأه أهل البلد، وأخذ من معه لأنفسهم وله الأمان، فنزل عنها ولحق بالأندلس. قال في كتاب «طرفة العصر» : وفي ليلة العاشر من شهر ربيع الأول اثنين وخمسين وسبعمائة، اتّصل الخبر من جهة الساحل، بنزول الأمير عبد الحق ابن أمير المسلمين أبي الحسن ومن معه، بساحل شلوبانية «١» ، مفلتين من دهق الشّدة، بما كان من منازلة جيش بني زيّان مدينة الجزائر، وقيام أهلها بدعوتهم، لما سموه من المطاولة، ونهكهم من الفتنة، وامتنع الأمير ومن معه بقصبتها، وأخذوا لأنفسهم عهدا، فنزلوا وركبوا البحر، فرافقتهم السّلامة، وشملهم ستر العصمة. ولحين اتصل بالسلطان خبره، بادر إليه بمركبين ثقيلي الحلية، وما يناسب ذلك من بزّة، وعجّل من خدامه بمن يقوم ببرّه، وأصحبه إلى منزل كرامته. ولرابع يوم من وصوله كان قدومه، وبرز له السلطان بروزا فخما، ونزل له، قارضا إياه أحسن القرض؛ بما أسلفه من يد، وأسداه من طول. وأقام ضيفا في جواره، إلى أن استدعاه أخوه ملك المغرب، فانصرف عن رضى منه، ولم ينشب أن هلك مغتالا في جملة أرداهم الترشيح.
عبد الواحد بن زكريا بن أحمد اللحياني «٢»
يكنى أبا ملك «٣» . وبيته في الموحّدين الملوك بتونس. وأبوه سلطان إفريقية، المترقّي إليها من رتبة الشّياخة الموحدية.
حاله: كان رجلا طوالا نحيفا، فاضلا حسيبا، مقيما للرّسوم الحسبيّة، حسن العشرة، معتدل الطّريقة. نشأ بالبلاد المشرقية، ثم اتصل بوطنه إفريقية، وتقلّد الإمارة بها برهة يسيرة، ثم فرّ عنها ولحق بالمغرب، وجاز إلى الأندلس، وقدم على سلطانها، فرحّب به، وقابله بالبرّ، ونوّه محلّه، وأطلق جرايته، ثم ارتحل أدراجه إلى العدوة، ووقعت بيني وبينه صحبة، وأنشدته عند وداعه «٤» : [المتقارب]
أبا ملك، أنت نجل الملوك ... غيوث النّدى وليوث النزال