نباهته: قال المؤرخ «١» : سلك سبيل القضاء «٢» في أوّليّته، مقتفيا آثار عمومته وخؤولته، يطلب «٣» الحديث في حداثته. وكتب منه كثيرا، ولقي الجلّة من رجاله، ثم صحب الخليفة الحكم «٤» متحزّبا في زمرته، وولي له الأعمال من القضاء والإمامة، ثم استكفاه، فعدل عن سبيله، وصار في أهل الخدمة. ثم اختصّه بخدمة أمّ ولده هشام، فزاد بخاصّته لولي العهد، عزّا ومكانة من الدولة، فاحتاج الناس إليه، وغشوا بابه، وبلغ الغاية من أصحاب السلطان معه، إسعاف، وكرم لقاء، وسهولة حجاب، وحسن أخلاق، فاستطار ذكره، وعمّر بابه، وساعده الجدّ. ولمّا صار أمر المسلمين إليه، بلغ «٥» التي لا فوقها عزّا وشهرة.
الثناء عليه: قال: وفي الدولة العامرية، وأعين محمد على أمره، مع قوة سعده، بخصال مؤلفة لم تجتمع لمن قبله، منها الجود، والوقار، والجدّ والهيبة، والعدل والأمن، وحبّ العمارة، وتأمير المال، والضبط للرعية، وأخذهم بترك الجدل والخلاف والتّشغّب، من غير وهن في دينه، وصحّة الباطن، وشرح كل فضل، وجلب كلّ ما يوجب عن المنصور فيه.
[غزواته وظهوره على أعدائه:]
واصل، رحمه الله، الغزو بنفسه، فيما يناهز خمسين غزوة، وفتح فيها البلاد، وخضد شوكة الكفر، وأذلّ الطواغيت وفضّ مصاف الكفّار، وبلغ الأعماق، وضرب على العدو الضرائب، إلى أن تلقّاه عظيم الروم بنفسه وأتحفه بابنته في سبيل الرغبة في صهره، فكانت أحظى عقائله، وأبرّت في الدين والفضل على سائر أزواجه، وعقد اثني عشر بروزا إلى تلقي ملوك الروم القادمين عليه مصطهرين بإلحاح سيفه، منكبّين على لثم سريره.