كيف البقاء «١» وقد بانت قبابهم ... وقد خلت منهم وا أسفي الدّار؟
حداة تمسهم بالقلب قد رحلوا ... يا ليتهم حملوا الجثمان إذ ساروا «٢»
جار الزمان علينا في فراقهم ... من قبل أن تنقضي للصّبّ أوطار
ساروا فخيّمت الأشواق بعدهم ... ما لي عليها سوى الآماق أنصار
تراك يا ربعهم ترجو رجوعهم؟ ... يا ليت لو ساعدت في ذاك أقدار
ودّعت منهم شموسا ما مطالعها ... إلّا من الوشي أطواق وأزرار
أستودع الله من فاز الفراق بهم ... وخلّفونا «٣» ودمع العين مدرار
قلت: ولا خفاء بتخلّف هذا النمط عن الإجادة، والله يقبض ويبسط، وشافعنا عرض الإكثار.
وفاته: توفي في آخر أربعة وستين وسبعمائة.
محمد بن محمد بن حزب الله «٤»
من أهل وادي آش، يكنى أبا عبد الله، ويعرف باسم جدّه.
حاله: دمث، متخلق، سهل الجانب، كثير الدّعابة، خفيف الروح، له خطّ حسن، ووراقة بديعة، وإحكام لبعض العملية، واقتدار على النظم. اتصل بباب السلطان ملك المغرب، وارتسم كاتبا مع الجملة، فارتاش، وحسنت حاله.
وجرى ذكره في الإكليل الزاهر بما نصّه: راقم «٥» واشي، رقيق الجوانب والحواشي، تزهى بخطّه المهارق والطروس، وتتجلّى في حلل بدائعه كما تتجلّى العروس، إلى خلق كثير التجمل، ونفس عظيمة التحمّل. ودود سهل الجانب، عذب المذانب. لمّا قضيت الوقيعة بطريف «٦» ، أقال الله عثارها، وعجّل ثارها، قذف به موج ذلك البحر، وتفلّت إفلات الهدي المقرب إلى النحر، ورمى به إلى رندة القرار، وقد عرى من أثوابه كما عرى الغرار، فتعرّف للحين بأديبها المفلق، وبارقها المتألق