عملا بواجب برّكم، ومعرفة بقدركم، وما يتزايد نعرفكم به، ويتصل سبب التأكيد والتعجيل بسببه، والسلام.
الغزاة إلى حصن أشر «١» :
وفي أوائل شهر رمضان بعده، أعمل السلطان الحركة السعيدة إلى حصن أشر، وهو قفل الثغر الذي فضّه الطاغية، وسورها الذي فرغه الكفر، وجارحه المحلّق على البلاد، والمتحكم لولا فضل الله في الأموال والأولاد، فتأذن الله برد مغتصبه، والشّفا من وصبه، وأحاط به وناصبه الحرب، ففتحه الله على يده عنوة، على سموّ ذروته، وبعد صيته وشهرته، واختيار الطاغية في حاميته بعد حرب لم يسمع بمثله، فاز بمزية الحمد فيها السلطان، لمباشرته إياها بنفسه، وحمل كلّها فوق كاهله، واتّقاد ما حمد من الحميّة بتحريضه. ثم لما كان بعد الفتح من استخلاص القصبة وسدّ ثلمها بيده، ومصابرة جو القيظ عامّة يومه، فحاز ذكرا جميلا وحلّ من القلوب محلّا أثيرا، ورحل منها، بعد أن أسكن بها من الفرسان رابطة متخيرة، ومن الرّماة جملة، وتخلّف سلاحا وعدّة، فكان الفتح على المسلمين، في هذا المعقل العزيز عليهم جليلا، والمنّ من الله جزيلا، والصنع كثيرا، وصدرت المخاطبة للمغرب بذلك، على الأسلوب المرسل الخلي من السجع الغني.
الغزاة المعملة إلى أطريرة «٢» :
في شهر شعبان من عام ثمانية وستين وسبعمائة، كانت الحركة إلى مدينة أطريرة بنت إشبيلية، وبلدة تلك الناحية الآمنة، مهاد الهدنة البعيدة عن الصّرمة، حرك إليها بعد المدى، وآثرها بمحض الرّدى، من بين بلاد العدا، ما أسلف به أهلها المسلمين، من قتل أسراهم في العام قبله. فنازلها السلطان أول رمضان، وناشبها الحرب واستباح المدينة وربضها عنوة، ولجأ أهلها إلى قصبتها المنيعة، ذات الأبراج المشيّدة، وأخذ القتال بمخنّقهم، وأعان الزحام على استنزالهم، فاستنزلوا على حكم المسلمين، فيما يناهز خمسة، بما لم يتقدمه عهد؛ ولا اكتحلت به في هذه المدة عين، ولا تلقته عنها أذن، وامتلأت أيدي المسلمين، بما لم يعلمه إلّا الله، من شتّى الغنائم، وأنواع الفوائد، واقتسم الناس السّبي ربعا على الأكفال والظهور، وتقديرا بقدر الرجال، وحملا فوق الظهور للفرسان، وعمرانا للسروج