الله الشّقّة، فلا تسأل عمّا حطّ من خل، وأفاض من عدل، وبذل من مداراة. وحاول عقد السلم، وسدّ أمور الجند على القل، ودامت حاله متصلة على ما ذكر، وسنّه تتوسّط عشر التسعين إلى أن لحق بربّه. وقد علم الله أني لم يحملني على تقرير سيرته، والإشادة بمنقبته داعية، وإنما هو قول بالحق، وتسليم لحجّة الفضل، وعدل في الوصف، والله، عزّ وجلّ، يقول: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
«١» .
وفاته: في ليلة الأربعاء الثامن والعشرين من رمضان من عام ستين وسبعمائة، طرق منزله بعد فراغه من إحياء ثلث الليل، متبذّل اللّبسة، خالص الطويّة، مقتضيا للأمن، مستشعرا للعافية، قائما على المسلمين بالكلّ، حاملا للعظيمة، وقد بادره الغادرون بسلطانه، فكسروا غلقه بعد طول معالجة، ودخلوا عليه وقتلوه بين أهله وولده، وذهبوا إلى الدايل برأسه، وفجعوا الإسلام، بالسائس الخصيب المتغاضي، راكب متن الصبر، ومطوق طوق النزاهة والعفاف، وآخر رجال الكمال والستر، الضافي على الأندلس، ولوئم من الغد بين رأسه وجسده، ودفن بإزاء لحود مواليه من السبيكة «٢»
ظهرا. ولم يشهد جنازته إلّا القليل من الناس، وتبرّك بعد بقبره. وقلت عند الصلاة عليه، أخاطبه دون الجهر من القول لمكان التقية:[الطويل]
أرضوان، لا توحشك فتكة ظالم ... فلا مورد إلّا سيتلوه مصدر
ولله سرّ في العباد مغيّب ... يشهّد بخافيه القضاء المقدّر
سميّك مرتاح إليك مسلّم ... عليك ورضوان من الله أكبر
فحثّ المطا ليس النعيم منغّص ... ولا العيش في دار الخلود مكدّر