حاله: من كتاب «عائد الصلة»«٢» : كان، رحمه الله، صدرا من صدور القضاة، من أهل النظر والتقييد، والعكوف على الطّلب، مضطلعا «٣» بالمسائل، مسائل الأحكام؛ مهتديا «٤» لمظنّات النّصوص، نسخ بيده الكثير، وقيّد على الكثير من المسائل، حتى عرف فضله، واستشاره الناس «٥» في المشكلات. وكان بصيرا بعقد الشروط، ظريف الخطاب «٦» ، بارع الأدب، شاعرا مكثرا، مصيبا غرض الإجادة.
وتصرّف في الكتابة السلطانية، ثم في القضاء، وانتقل في الولايات الرفيعة النّبيهة.
وجرى ذكره في «التّاج المحلّى» بما نصّه «٧» :
«فارس في ميدان البيان، وليس الخبر كالعيان؛ وحامل لواء الإحسان، لأهل هذا الشّان «٨» ؛ رفل في حلل «٩» البدائع فسحب أذيالها، وشعشع أكواس «١٠» العجائب فأدار جريالها «١١» ، واقتحم على الفحول «١٢» أغيالها «١٣» ، وطمح إلى الغاية البعيدة فنالها، وتذوكرت المعضلات «١٤» فقال: أنا لها. عكف واجتهد، وبرز إلى مقارعة المشكلات ونهد، فعلّم وحصّل، وبلغ الغاية وتوصّل؛ وتولّى القضاء، فاضطلع بأحكام الشّرع، وبرع في معرفة الأصل والفرع، وتميّز في المسائل بطول الباع، وسعة الذّراع؛ فأصبح صدرا في مصره، وغرّة في صفحة عصره. وسيمرّ في بديع كلامه، وهثّات «١٥» أقلامه، وغرر إبداعه، ودرر اختراعه، ما يستنير «١٦» لعلم الحليم، وتلقي له البلغاء يد التسليم» .