لم ترق مقلتي ولا رقّ قلبي ... كحلاها براعة وبيانا «١»
من يكن مهديا فمثلك يهدي ... لم أجد للثّنا عليك لسانا
وفاته: توفي في الرابع لشعبان من عام «٢» خمسين وسبعمائة معتبطا في الطاعون، لم يبلغ الثلاثين.
[علي بن محمد بن علي العبدري]
سكن غرناطة، يكنى أبا الحسن ويعرف بالورّاد، ويشهر أبوه باليربوني.
حاله: بقية مسنّي أدباء الأندلس في فن الهزل والمعرب، والهزل متولي شهرته، وله القدح المعلّى فيه، والطريقة المثلى، ظريف المأخذ، نبيل الأغراض، حافظ للعيون، مال بآخرة إلى النّسك وصحبة الصالحين. ولم يزل بحاله الموصوفة إلى أن استولت عليه الكبرة، وظرفه يتألّق خلال النسك. وجرى ذكره في «الإكليل الزاهر» بما نصّه: أديب، نار ذكائه كأنه يتوقّد، وأريب لا يعترض كلامه ولا ينقد. أمّا الهزل فطريقته المثلى، التي ركض في ميدانها وجلى، وطلع في أفقها وتجلّى، فأصبح علم أعلامها، وعابر أحلامها. إن أخذ بها في وصف الكاس، وذكر الورد والآس، وألمّ بالربيع وفصله، والحبيب ووصله، والروض وطيبه، والغمام وتقطيبه، شقّ الجيوب طربا، وعلّ النفوس إربا وضربا. وإن أشفق لاعتلال العشية، في فرش الربيع الموشية، ثم تعدّاها إلى وصف الصّبوح، وأجهز على الرق المجروح، وأشار إلى نغمات الورق، يرفلن في الحلل الزّرق، وقد اشتعلت الليل نار البرق، وطلعت بنور الصباح في شرفات الشرق، سلب الحليم وقاره، وذكر الخليع كأسه وعقاره، بلسان يتزاحم على مورده الخيال، ويتدفّق من حافاته الأدب السيال، وبيان يقيم أود المعاني، ويشيده صانع اللفظ محكمة المباني، ويكسو حلل الإحسان جسوم المثالث والمثاني، إلى نادرة لمثلها يشار، ومحاضرة يجنى بها الشهد ويسار.
وقد أثبتّ من شعره المعرب، وإن كان لا يتعاطاه إلّا قليلا، ولا يجاوره إلّا تعليلا، أبياتا لا تخلو من مسحة جمال على صفحاتها، وهبّة طيب ينمّ في نفحاتها.
فمن ذلك قوله:[الطويل]
يذكّرني حسن الكواعب روضة ... لها خطر قيد النّواظر مونق