ثم خرّ يبكي، ويقبّل القبر ويعفر وجهه في التّراب، فبكى ذلك الملأ حتى أخضلوا ملابسهم، وارتفع نشيجهم، فلله درّ ابن عبد الصمد، وملاذ ذلك البلد.
محمد بن سعد بن محمد بن أحمد بن مردنيش الجذامي «١»
قال بعضهم: ينتمي في تجيب، الأمير أبو عبد الله.
أوّليّته: معروفة. وعلى يد أبيه جرت الوقيعة الكبرى بظاهر إفراغة «٢» ، على ابن رذمير الطاغية، فجلّت الشّهرة، وعظمت الأثرة. قال بعضهم: تولى أبوه سعد قيادة إفراغه وما إليها، وضبطها. ونازلها ابن رذمير، فشهر غناؤه بها في دفاعه، وصبره على حصاره، إلى أن هزمه الله عزّ وجلّ، على يدي ابن غانية. وظهر بعد ذلك فحسن بلاؤه، وبعد صيته. ورأس ابنه محمد، ونفق في ألفته. وكان بينه وبين ابن عياض المتأمّر بمرسية صهر، ولّاه لأجله بلنسية. فلما توفي ابن عياض، بادرها ابن سعد، وبلغه أثناء طريقه غدر العدوّ بحصن جلال، فكرّ وقاد له وفتحه. وعاد فملك بلنسية، وقد ارتفع له صيت شهير، ثم دخلت مرسية في أمره، واستقام له الشّرق، وعظمت حاله.
حاله: قال ابن حمامة: ساد من صغره بشجاعته ونجابته، وصيت أبيه، فمال بذلك إلى القيادة، وسنّه إحدى وعشرون سنة. ثم ارتقى إلى الملك الراسخ، والسلطان الشامخ، بباهر شجاعته وشهامته، فسما قدره، وعظم أمره، وفشى في كل أمة ذكره.
وقال غيره: كان بعيد الغور، قويّ السّاعد، أصيل الرأي، شديد العزم، بعيد العفو، مؤثرا للانتقام، مرهوب العقوبة.
وقال في مختصر «ثورة المريدين»«٣» : كان عظيم القوة في جسمه، ذا أيد في عظمته، جزّارة في لحمه، وكان له فروسيّة، وشجاعة، وشهامة، ورئاسة.